آداب الحوار وثقافة الاختلاف

آداب الحوار وثقافة الاختلاف

آداب الحوار وثقافة الاختلاف

 العرب اليوم -

آداب الحوار وثقافة الاختلاف

بقلم : مصطفى الفقي

ظهرت على السطح فى الآونة الأخيرة- أكثر من أى وقت مضى- حدة فى النقاش وعناد فى الرأى ورفض لخيارات الآخر مع الخروج أحيانًا عن آداب الحوار والرفض الكامل لثقافة الاختلاف، وهو ما يدعونا لمناقشة هذه الظاهرة التى تشير إلى حالة توتر ذاتى مع قصور فى الثقافة وغياب للوعى السليم، وكلما رأيت المشهد هكذا تذكرت المقولة الشهيرة فى الحضارة العربية الإسلامية للإمام «الشافعى» (رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب)، أو المقولة المرادفة فى الحضارة الأوروبية المسيحية عندما يقول «فولتير» إنه على استعداد لأن يدفع حياته ثمنًا للدفاع عن حرية رأى يختلف معه، ذلك هو النهج الأوروبى الذى يشير إلى التواصل الإنسانى والفهم العميق لآداب الحوار، وفى ظنى فإن تزايد الإحساس بهذه الظاهرة يرجع إلى عدد من العوامل نوجزها فيما يلى:

أولًا: إن «مصر» مرت بثورتين خلال بضع سنوات قليلة ورأت رئيسين سابقين للجمهورية فى قفص الاتهام، ولا يعنينا هنا تقييم الصواب من الخطأ، ولكن الذى يعنينا هو انعكاس ذلك على نفسية المواطن المصرى العادى الذى كنا نظن أنه قد أسقط حاجز الخوف فإذا به قد أسقط حاجز الاحترام للآخر أيضًا وتحول كثير من الشباب إلى وظيفة جديدة لم تكن معروفة من قبل وأعنى بها ناشطا سياسيا، ولا بأس من أن يهتم الشباب بالسياسة بل إن ذلك واجب عليهم، ولكن لا يكون ذلك بالتركيز على هذا المسمى دون مضمون، وأنا من دعاة تركيز الشاب على العمل الوطنى وليس النشاط السياسى والفارق بينهما واضح من حيث تأثير كل منهما على وحدة الرأى وصلابة الجبهة.

ثانيًا: إن كبت الحريات لسنوات طويلة فى مراحل متتالية من تاريخنا الحديث قد أدى إلى رد فعل عكسى يستبيح النيل من أقدار الناس وتسفيه أعمالهم ومحاولة الإقلال من شأنهم ولم يعد هناك من يحتمل رأى غيره وظهرت موجات من التعصب الأعمى والعناد الأحمق من خلال التمسك بالرأى ولو كان فاسدًا، وذلك رغبة فى الظهور بل وأحيانًا يكون الأمر مجرد تطبيق لعقدة (خالف تعرف)، وقد شهدنا كثيرًا حملات على الكبار والإساءة إلى الآخرين بحق أو بغير حق، وذلك أمر يدعو إلى الأسف لأن انهيار منظومة القيم الأخلاقية والاستخفاف بالتقاليد الاجتماعية هو عدوان على الإنسان المصرى وقيمه وتقاليده بما يحملان من تفكير لا يخلو من حماس ويتميز بالرغبة فى أن يكون مشروعًا إنسانيًا ناجحًا ولكنه لا يضمن ذلك.

ثالثًا: إن اختلاط الدين بالسياسة قد زرع فى عقول بعض المتشددين دينيًا والمتطرفين سياسيًا أنه يمكنهم استخدام الدين الإسلامى الحنيف فى إلقاء الرعب لدى الطرف الثانى والإيهام بأنهم وحدهم الذين يحتكرون الحقيقة بل وأحيانًا يتحدثون باسم الخالق سبحانه وتعالى.

رابعًا: إن التعصب للرأى وتحقير الآخر والتسفيه من شأنه هو نوع من ازدراء المجتمع ككل وهو أمر يعبر عن ضحالة الثقافة وغياب التفكير العميق، فضلًا عن قصور الرؤية والعجز عن الإلمام بالموضوع، لهذه الأسباب فإننا نرى أن من لا يدرك ثقافة الاختلاف- وقد كتبت فيها كثيرًا منذ سنوات- ومن لا يدرك التقاليد المرعية فى الحوار الرصين والنقاش الرشيد عليه أن يدرك الآن أنه خارج دائرة المستقبل ولا يمكن أن يكون جزءًا منه.

خامسًا: إن المرء يستطيع أن يعبر عن وجهة نظره وأن يدحض آراء غيره دون تجريح أو إسفاف معتصمًا بالموضوعية وبالحقائق وحدها دون الانخراط فى الافتراء والكذب لأنها أمور تبدو معروفة فى النهاية، فالإنسان لا يستطيع أن يخدع كل الناس بعض الوقت ولا بعض الناس كل الوقت.

لندرك جميعًا أن الحياة طريقة قبل أن تكون حقيقة فلنعتصم جميعًا بآداب الحوار وتقاليده ونكف عن التحريض والغوغائية والإسفاف، إذ يستطيع كل منا أن يعبر عن رأيه دون إساءة أو إقلال من قدر الآخر، ولندرك أن قيمة المجتمعات ومكانة الشعوب تتحدد بفهمنا العميق لفلسفة احترام خيارات الآخر وتقدير من نختلف معهم، ولقد قالوا قديمًا إن الاختلاف لا يفسد للود قضية.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آداب الحوار وثقافة الاختلاف آداب الحوار وثقافة الاختلاف



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab