بقلم - مصطفى الفقي
في إطار الأزمة الدامية بين روسيا وأوكرانيا، ترددت أرقام دولية وإحصاءات عالمية أجمعت كلها على أن مصر هي أكثر دولة تستورد القمح في العالم كله، وكان من ضمن الدول التي تستورد منها روسيا وأوكرانيا، البلدان المتحاربان على الساحة العالمية حاليًا، وأضافت المصادر أن مصر لديها احتياطى كافٍ قد يغطى عام 2022 بالكامل، وأثارت هذه الأخبار بعض التأملات في علاقة المصريين بالقمح، إذ إن رغيف الخبز يشكل لديهم الطبق الرئيس، حتى إنهم يطلقون عليه كلمة «العيش»، فلا يقولون رغيف الخبز، ولكن يقولون رغيف العيش.
بات خلال اليوم، ويثير الأمر على هذا النحو عددًا من الأفكار والاقتراحات، لعلى أنقل منها ما يلى:
أولًا: اتصلت بى سيدة فاضلة مصرية مُسنة من أصول ليبية، تعيش في مركز الدلنجات بمحافظة البحيرة، وقالت لى أرجوك أن توصل اقتراحى إلى من تعرف، سواء وزير التموين الدكتور على مصيلحى، أو رئيس الوزراء مصطفى مدبولى، ويقضى الاقتراح بمثل ما هو حادث في الدولة الجارة ليبيا باستخدام الشعير بديلًا للقمح، وهو متوافر وزراعته سهلة وتقوم على مياه الأمطار دون جهدٍ أو عناء، وأضافت أن خبز الشعير ذو طعم مقبول، بل ويساعد على الشفاء من بعض الأمراض، في مقدمتها مرض السكرى، فضلًا عن قيمته الغذائية، وهناك شعوب كثيرة جربته وعاشت عليه، ويمكن خلطه بكميات أقل من القمح إذا اضطررنا، وذلك يوقف نزيف العملة الصعبة بشراء القمح من الأسواق العالمية في وقت ترشح فيه الأحداث ارتفاع سعره بسبب الأزمة المحتدمة بين بلدين ينتجان ذلك المحصول الاستراتيجى وتستورد منهما مصر نسبة كبيرة من رصيدها السنوى.
وقد راق لى اقتراح السيدة الليبية المهمومة بشؤون مصر وطنها الثانى الذي أصبح وطنها الأول بعد الإقامة فيه لعشرات السنين، إذ تقول إنها تذوقت خبز الشعير وإنه سوف يتوافق مع المزاج المصرى، فضلًا عن أن استخدامه يمثل فكرة خارج الصندوق في بلدٍ يحاول أن يطفو على السطح وأن يبنى مصر الحديثة اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيً
ثانيًا: إننى أدرك- مثل كل المصريين- أن الخبز هو طعام أساس، خصوصًا للفقراء الذين لا يستطيعون الاستغناء عنه، وقد جبلوا جميعًا على الرغيف البلدى منذ الطفولة، وكأنهم يرددون مع الشاعر الفلسطينى الراحل محمود درويش شطرة بيته الشهير (أحن إلى خبز أمى)، لذلك فإن الاهتمام بالدراسات المستقبلية للقمح المستورد في بلادنا لا يجب أن تقف فقط عند تحديد كمياته من الأسواق العالمية، ولكن لابد أيضًا من إعادة النظر في تحديد مسار الاستهلاك لتلك السلعة التي تعتبر عصب المائدة في بلادنا وتلتقى مع طبق الفول طعامًا أساسيًا كل صباح للفقراء والأغنياء أيضًا، ولابد من الاجتهاد في التفكير في بدائل جزئية، مثل مسألة نبات الشعير الذي ينمو بكثرة في الصحراء الغربية التي كانت ذات يوم هي مزرعة القمح في الإمبراطورية الرومانية قبل أن يبتليها الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بعشرات الآلاف من الألغام القاتلة التي زرعوها حينذاك.
أيها السادة.. إن المواجهة المحتدمة بين روسيا الاتحادية وجمهورية أوكرانيا المدعومة من حلف الناتو، هي مناسبة ضاغطة تدعونا في مصر إلى مراجعة موضوع القمح زراعة واستيرادًا واستهلاكًا والتفكير بجدية في محاصيل معاونة، في مقدمتها الشعير المخلوط بالقمح أو الذرة أو هو وحده، علمًا بأن التذوق الإنسانى عادة متغيرة يمكن إيجادها مع مرور الوقت، لقد آن الأوان للمصريين- وهم في غمار نهضة كبرى- أن يراجعوا المسلمات في عاداتهم الاستهلاكية وأن يفكروا خارج الصندوق، على حد التعبير المتداول كثيرًا في السنوات الأخيرة!.