فوائد الكورونا

فوائد الكورونا

فوائد الكورونا

 العرب اليوم -

فوائد الكورونا

بقلم - مصطفى الفقي

«رب ضارة نافعة» هكذا قال الأقدمون وكنا نشعر أحيانًا أنها عبارة متفائلة لتقاوم الطاقة السلبية الهائلة التى تحيط بالبشر عندما تحل بهم نازلة، ونحن نتأمل حاليًا ما حاق بكوكب الأرض من جراء فيروس كورونا ونتائج ذلك، وأقصد تحديدًا ما يمكن أن نعتبره فوائد- إذا جاز التعبير- لذلك الوباء الكاسح الذى ملأ الدنيا وشغل الناس، واسمحوا لى أن أطرح فى بساطة بعض الإيجابيات التى أريد أن نخرج بها من هذه المحنة القاسية التى أصابت البشرية جمعاء وتركت آثارًا غائرة على وجه الإنسانية فى القرن الحادى والعشرين، ولعلى أعدد بعض تلك الإجراءات التى فرضها علينا ذلك الداء وأملى أن نستمر بها فى حياتنا اليومية بعد ذلك ومنها:

أولًا: إن من مزايا احتياطات وجود هذا الوباء التوقف عن عادة التقبيل المتبادلة بشكل فيه إسراف شديد فلم تكن دائمًا فى مناسبة ابن عائد من سفر بعد رحلة طويلة ولكنها لقطات متبادلة صباح مساء بمبرر وبغير مبرر، فضلًا عن المصافحة بالأيدى والقبلات بين الرجال والأحضان الطويلة التى تعبّر غالبًا عن حالة من النفاق الزائف أو التظاهر الكاذب، وليست بالضرورة تعبيرًا عن حب شديد أو ود حقيقى كما أننى أتمنى أن نستلهم النموذج الهندى فى المصافحة بوضع الكفين للشخص الواحد متلاصقتين فذلك أفضل صحيًا كما أنه مطلوب وقائيًا، وأنا أتذكر عندما وصلت إلى العاصمة البريطانية أول مرة للعمل عام 1971 أن كنت فى جلسة بين مجموعة من الإنجليز الذين يعملون معنا ودخل علينا مصرى صديق ومد يده مصافحًا فبدت الدهشة على وجوههم، فقد كانوا يرونه كل يوم وقالوا: إنها واحدة من اثنتين إما أن اليوم هو (الكريسماس) أو أنك (أيرلندى) تحب المصافحات المتكررة والكلمات الحميمة، وأنا أرى حاليًا زملاء فى العمل يبادرون بالسلامات والقبلات لزملائهم يوميًا،


.. ولابد أن أعترف بأن جيلى لم يكن يعرف هذه العادات بهذا الإسراف فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، كنا نراها فقط على رصيف محطة القطار أو صالة الانتظار فى المطار عند توديع عزيز فى سفر طويل أو استقبال عائد من رحلة بعيدة، وها هى الكورونا تصحح الأوضاع وتعيد إلينا الرشد لأن التلامس الدائم بالأيدى والقبلات التى لا مبرر لها تساعد فى انتشار الجراثيم وانتقال الفيروسات، كما أن ثقافة غسل اليدين واستخدام المنظفات والمطهرات يجب أن تصبح عادة دائمة فى حياتنا القادمة.

ثانيًا: إننى أتمنى أن نكون قد اقتنعنا بأن العمل عن بعد والتعليم الإلكترونى هما المستقبل الحقيقى للبشرية فى ظل ظروفها المحتملة؛ ولذلك فإننا نتطلع إلى تعميم تلك التجارب الناجحة التى تمت حتى لو بدأنا بها بشكل جزئى يستقر فى حياتنا بعد سنوات قليلة، فالذين يتحسبون للمستقبل يمسكون بالإيجابيات ويلفظون السلبيات ويدركون أن مسؤوليتنا عن الغد تبدأ من اليوم.

ثالثًا: إن فهمًا حقيقيًا للدين قد سيطر على فكر المصريين- مسلمين ومسيحيين- فى الشهور الأخيرة حيث أدركوا أن الحفاظ على الجنس البشرى مسؤولية تحترمها الأديان حتى ولو أدت إلى تعطيل بعض الشعائر أو إغلاق المساجد والكنائس إلى حين، فالمؤمن الحقيقى هو الأدرى بمصالحه فى دنياه محافظًا على إيمانه الصحيح والتزامه الصادق، ولقد رأينا كيف تقبل المسلمون الامتناع عن صلاة الجمعة أو أداء الفروض فى المساجد كما تقبل المسيحيون طواعية التوقف عن القداس الدينى واحترام التعاليم الصحية لأن الله الذى نتوسل له بالأديان يريد الخير للإنسان فهو خليفته فى الأرض، ورغم أكاذيب البعض من غلاة المغرضين وأراجيف المتشددين إلا أن صوت الحق كان أعلى، كما أن الإيمان الحقيقى هو الذى ساد بين العباد من كافة الديانات السماوية والأرضية على السواء فى بلادنا وخارجها على امتداد المعمورة.

رابعًا: إننى أرفع القبعة لقائد البلاد وللحكومة المصرية الذين تمكنوا من مواجهة الكارثة رغم الإمكانات المحدودة والأعداد الكبيرة وطبيعة الشعب المصرى الذى لا يستجيب أحيانًا للمخاطر ويصر على ممارسة تقاليده وعاداته بل طقوسه اليومية كما لو لم يكن هناك خطر داهم أو حظر دائم، ولقد خطت الدولة المصرية خطوات استباقية على طريق المواجهة مع الوباء اللعين بصورة مبكرة وأسلوب علمى أعاد إلى الأذهان (روح أكتوبر) بما كان فيها من تنظيم واستعداد ورؤية بعيدة، كما أن ما جرى لحفلات الأفراح وتقاليد الجنازات ومراسم العزاء يجعلنا نعيد النظر فيما كنا عليه على ضوء ما اتبعناه فى ظل وباء الكورونا وإن كنا لا نطالب بالتشدد فى ذلك إلا أننا ندعو فقط لإعادة النظر فى بعض الطقوس والعادات التى لا تتماشى مع تقاليد العصر ومساحة الوقت.

قد يقول قائل: إنك تريد (أن تحيل الفسيخ إلى شربات) وأن تصنع من المحنة القاسية منحة آتية، ولكن أقول له إن الأمم العظيمة والشعوب الواعية تخرج من التجارب الصعبة بمكاسب حقيقية وإنجازات تستفيد بها الأجيال، دعونا نرفع أيدينا إلى السماء نسأل الله أن تكون المحنة التى مرت بنا نقطة تحول إلى الأفضل نتخلص بها من العادات البالية، والأفكار القديمة، ونكتسب المزايا العصرية ونمضى مع الروح التى تتناسب مع المستقبل وتبعاته، والغد ومسؤولياته.. دعونا نرفع أيدينا إلى السماء بأن يرحل عنا هذا الوباء وأن نستلهم مما جرى تعديلات إيجابية فى سلوكيات المصريين وأن نخرج من هذه الأيام الصعبة أكثر صلابة وأشد إيمانًا بالوطن وبالحياة وبالمستقبل!

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فوائد الكورونا فوائد الكورونا



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab