غياب دبلوماسى قدير

غياب دبلوماسى قدير

غياب دبلوماسى قدير

 العرب اليوم -

غياب دبلوماسى قدير

بقلم - مصطفى الفقي

غيّب الموت السفير «شعبان محمد شعبان»، وهو واحد من أكثر الدبلوماسيين المصريين رصانة فكرية وإجادة للغات الأجنبية، فقد وصل إلى منصب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، والذى شغله لعدة سنوات، وبعد انتهاء مهمته عاد لوطنه منزويًا فى صومعته معتزلًا الناس ومبتعدًا عن الحياة العامة، ولقد دعانا ذات مساء زميلنا السفير د. «عزت سعد»- سفير «مصر» فى «موسكو» ومحافظ «الأقصر» الأسبق- لعشاء فى «النادى الدبلوماسى» على شرف زميلنا العائد من مهمته الدولية الكبيرة، ولاحظنا يومها أن «شعبان» كان صامتًا على غير عادته، كما كان قليل الكلام بشكل ملحوظ، وقد اتصل بى ذات صباح زميلنا الكبير السفير «أحمد أبوالغيط» أمين عام «جامعة الدول العربية» وقال لى: ما هى معلوماتك عن صحة زميلنا «شعبان»؟ وأضاف «أبوالغيط» أنه اتصل به تليفونيًا للاستفسار عنه، ولكنه لاحظ أن حديثه مقتضب ويفتقد التركيز، ولا يبدو عاديًا، مما أقلق وزير الخارجية الأسبق، ودعا الزملاء للسؤال عن طبيعة حالته الصحية، وقد علمت من مصادر أخرى أنه يعانى من مبادئ الأمراض المعتادة فى عصرنا، وفى مقدمتها غياب التركيز وضعف الذاكرة، وقد كانت بجانبه زوجته الفاضلة وهى زميلة لنا وقفت إلى جانبه دائمًا وأنجبت له ابنًا هو قرة عينهما ليكون أيضًا راعيًا لأمه ولأختيه، و«شعبان» كان دبلوماسيًا استثنائيًا بكل المعانى، فقد بدأ حياته مدرسًا للغة الإنجليزية منذ أن برح مسقط رأسه فى مدينة «بورسعيد»، ولكن طموحه دفعه لأن يصبح مذيعًا لنشرات الأخبار باللغة الإنجليزية فى التليفزيون المصرى، ثم تقدم لامتحان وزارة الخارجية وزاملته فى المعهد الدبلوماسى فتوطدت علاقتى به كثيرًا، خصوصًا أنه كان يسكن بالقرب من منزلى كما كان يتمتع بدماثة الخلق ورحابة الصدر وحب الناس، ولن أنسى ما حييت عندما عدت عام 1983 من مهمتى فى «الهند»، منتظرًا التوزيع داخل ديوان الوزارة، حيث أبلغتنى إدارة التفتيش أننى مرشح لأن أكون مديرًا لمكتب السفير الراحل «عمران الشافعى» فإذا بى ألتقى بزميلى «شعبان» على سلم الوزارة ليقول لى إنه صاعد إلى إدارة التفتيش ليبلغهم بتعليمات د. «أسامة الباز» الذى كان زميلى «شعبان» يعمل مديرًا لمكتبه، وأنه يحمل تعليمات من د.

«الباز» إلى الإدارة المعنية لتسكينى فى مكتب وكيل أول وزارة الخارجية أستاذنا الراحل «أسامة الباز»، وكان معنى ذلك أننى سأكون مدير المكتب بحكم أقدميتى عن زميلى «شعبان» رغم كفاءته المعروفة وإمكاناته الكبيرة، ولم يكن د. «الباز» يحب لقب مدير المكتب، ولكنه يعتبر الأقدم هو من يشغل ذلك المكان، والغريب أن زميلى «شعبان» كان مرحبًا بوجودى بشكل ملحوظ ولا يشعر بأى حساسية أن يأتى زميل أقدم منه ليشغل موقعه، تلك كانت أخلاقه وبعض صفاته وما أكثر ما جمعتنا لجان امتحانات الشفوى للملحقين الجدد فى الخارجية، وقد همس فى أذنى ذات يوم منذ أكثر من ثمانى سنوات لكى يقول إنه لن يحضر غدًا، فالوزارة قد رشحته لمنصب الأمين العام المساعد لـ«الأمم المتحدة» وأنه ذاهب لمقابلة شخصية مع الأمين العام، تمهيدًا لتوليه منصبه الرفيع، وفرحت كثيرًا بذلك التكريم الذى يستحقه زميلى الذى كان سفيرًا لبلاده فى بعض العواصم المهمة، فضلًا عن مسيرته الدبلوماسية الطويلة، ولقد انقطعت عنا أخباره بعد أن أصدر كتاب مذكراته، وكنت أشعر دائمًا فى أعماقى بالتقصير فى الاتصال به والسؤال عنه، ولكننى كنت أحترم صمته ولا أريد أن أخترق عزلته مطمئنًا عليه فى وجود قرينته المعروفة بالوفاء وحسن المعشر.

إن الكثيرين ينسحبون من الحياة فى هدوء وينصرفون دون استئذان.. لقد فقدت «مصر» واحدًا من أبنائها البررة، صقل مواهبه ذاتيًا وعلم نفسه حتى سطع فى سماء الدبلوماسية المصرية نجمًا لا يغيب رغم اعتزاله الحياة ثم رحيله عن الدنيا.. رحمه الله.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غياب دبلوماسى قدير غياب دبلوماسى قدير



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - الدانتيل بين الأصالة والحداثة وكيفية تنسيقه في إطلالاتك

GMT 05:59 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية
 العرب اليوم - نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية

GMT 16:09 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية
 العرب اليوم - أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية

GMT 06:31 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين
 العرب اليوم - ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين

GMT 03:25 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يعتزم مواصلة الانتشار جنوبي لبنان

GMT 03:17 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

زلزال قوي يهز إثيوبيا بقوة 4.7 ريختر

GMT 03:24 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

الحصبة تتفشى في المغرب 25 ألف إصابة و120 وفاة خلال 16 شهرا

GMT 11:32 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

يسرا اللوزي تتحدّث عن الشخصية التي تتمنى تقديمها

GMT 08:46 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

في ذكرى صاحب المزرعة

GMT 09:25 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

ألوان ديكورات 2025 تعيد تعريف الفخامة بجاذبية جريئة

GMT 08:44 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

كيف ستكون علاقتنا مع ترمب؟

GMT 08:42 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

مناخر الفضول وحصائد «فيسبوك»

GMT 14:00 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أخطر سلاح في حرب السودان!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab