مكتبة الإسكندرية وسراج الدين

مكتبة الإسكندرية وسراج الدين

مكتبة الإسكندرية وسراج الدين

 العرب اليوم -

مكتبة الإسكندرية وسراج الدين

بقلم : مصطفى الفقي

(ولا تبخسوا الناس أشياءهم) إن هذا النص الكريم ينطبق تماماً على السطور القادمة فى هذا المقال، فأنا أزعم صادقاً أن الدكتور «إسماعيل سراج الدين»، مدير مكتبة الإسكندرية، قد بذل جهداً كبيراً فى إدارته لهذه المكتبة التاريخية العريقة منذ إعادة إنشائها فى العقدين الأخيرين، كما أنه قد حقق نتائج رائعة على المستويين الإقليمى والدولى حتى أصبحت المكتبة مناراً على شاطئ المتوسط، بحيرة الحضارات الكبرى، وملتقى القارات الثلاث.

وقد أزعجنى كثيراً أن الدكتور «إسماعيل سراج الدين» قد طلب الاكتفاء من منصبه بنهاية العام الحالى لخدمته، وهو قرار كان ينبغى أن تراجعه الدولة فيه، اعترافاً بفضله، واحتراماً لقدره، خصوصاً أن عطاءه يبدو فى ذروته، كما أن اتصالاته الدولية هى استثمار كبير للمكتبة والدولة معاً، ولاتزال الفرصة سانحة لإقناعه بالعدول عن قراره، والذى أرجو أن يكون قراراً شخصياً وليس نتيجة مضايقات تعرض لها أو سلبيات شعر بها، لأننا نريد تعظيم العائد من هذه المكتبة الكبرى والفريدة من نوعها، لأنها امتداد لتاريخ طويل يربطها بالماضى السحيق يوم أن كانت مكتبة الإسكندرية القديمة مركز إشعاع للدنيا كلها، إلى أن تعرضت لحريق كبير اختلف المؤرخون فى تحديد فاعله وتفسير أسبابه، ولكن عودة هذه المكتبة العريقة من جديد قد أعادت التواصل التاريخى بين ماضيها وحاضرها، بل ومستقبلها.

ولقد أسهمت المكتبة فى السنوات الأخيرة فى توثيق الزعامات المصرية، بل والعائلات ذات الإسهام فى حياة الوطن، كما أصدرت من الكتب النادرة والمؤلفات المتميزة ما يجعلها بحق مكتبة المكتبات ورأس الحربة فى الثقافة المصرية كلها.

ومازلت أتمنى أن يتم تكريم د. «سراج الدين» على النحو الذى يليق به، لا لأنه سليل بيت عريق، ولا لأنه حفيد «على باشا إبراهيم»، ولا لأنه الشخصية المرموقة فى البنك الدولى أو اللامعة فى المحافل الدولية، ولكن لسبب آخر هو أنه عمل لسنوات طويلة فى خدمة وطنه وتقديم صورة مشرقة للثقافة المصرية فى كل المنتديات العالمية والتجمعات الإقليمية، مدعوماً بكتيبة متميزة من العلماء والأدباء والمفكرين، أتذكر منهم أسماء مثل «يوسف زيدان» فى مرحلة معينة، ثم «خالد عزب» حالياً، فضلاً عن كوكبة من كبار الشخصيات المرموقة من أمثال الناقد العربى الكبير «صلاح فضل»، إلى جانب مجموعة من الدبلوماسيين الذين أسهموا فى تدعيم الجوانب المراسمية لذلك الصرح الكبير ومؤتمراته المتعددة ولقاءاته المتتالية.

وأنا أتمنى على المفكر والعالم «إسماعيل سراج الدين» أن يتريث فى قرار الرحيل عن المكتبة حتى تظهر كوادر قادرة على الإمساك بدفة قيادتها، فالمكتبة تحتاج إلى مفكر كبير ومثقف مرموق وعالم متألق، لأن دورها أكبر من أن يحيط به مسؤول عادى، فهى تحتاج إلى صاحب رسالة وليس إلى طالب وظيفة!

ولعلى أعتز دائماً بأننى شخصياً قد شاركت ذات يوم فى تقديم «إسماعيل سراج الدين» إلى قمة الدولة المصرية، خصوصاً أننى قد عرفته من خلال الراحل الكبير «أسامة الباز»، الذى كان يعتز كثيراً بصداقته ويشيد بزمالته فى «الولايات المتحدة الأمريكية».

وقد يقول قائل إن جزءاً كبيراً من إنجازات المكتبة يعود إلى إمكاناتها المادية الكبيرة، ولأنها وحدة ذات طابع خاص فى ميزانيتها وشؤونها المالية والإدارية، وقد يكون ذلك صحيحاً، ولكن الأهم هو ذلك الحشد من العقول التى فكرت ودبرت وأدارت عبر السنين، وما من مرة دُعيت فيها لحضور مناسبة فى مكتبة الإسكندرية إلا وشعرت بأن «مصر» بخير، وبأنها سوف تظل دائماً مركز التنوير ومصدر الإشعاع ومحط الأنظار، ولعلى أطرح هنا ملاحظتين:

الأولى: إن تمويل المكتبة قد جاء بتبرعات عربية ودولية على اعتبار أنها ملك للتراث الإنسانى كله وجزء من البحر المتوسط، وقد كنت أعمل فى مؤسسة الرئاسة وأتذكر ذلك اليوم جيداً الذى كنا نتلقى فيه قرارات الدول بحجم تبرعاتها، وكيف أن الرئيس العراقى الراحل «صدام حسين» قد طلب أن يعرف أعلى تبرع لدولة عربية، وكانت هى دولة «الإمارات»، ليزيد على ما قدمته مليوناً من الجنيهات، تفرداً له، واستعلاءً على غيره، وتمييزاً لبلاده، لذلك فإن هذه المكتبة هى جزء من رصيدنا الثقافى الذى نعتز به ونفاخر، خصوصاً أن أغلى صادراتنا هى السلعة الثقافية فى إطار القوى الناعمة للدولة المصرية عبر تاريخها الطويل.

الثانية: إن السعى إلى بناء الإنسان المصرى يستوجب التركيز على تكوينه الثقافى ومنظومة قيمه وتقاليده، وهى أمور لا تستقر إلا بمصادر المعرفة المتاحة ومنابع الفكر المستنير، خصوصاً من أصحاب الرؤى الحصيفة والعلم المشهود به، والمشكلة فى بلادنا أننا لم نتمكن بعد من تكوين الإنسان العصرى الذى يدرك معنى الحداثة ويحترم قيم العلم ويسعى نحو منابع المعرفة.

هذه خواطر أثارتها المعلومات الواردة عن تركنا «إسماعيل سراج الدين» يرحل عن قلعته بهذه البساطة ودون تقليب شامل للموقف كله وإدراك لأهمية الدور الثقافى فى عالمنا المعاصر.

تحية لمكتبة الإسكندرية ومديرها، ولكل من وقف إلى جانبها، وكل من يسعى لدعمها وتعزيز دورها وتأكيد قيمة العائد منها!

arabstoday

GMT 03:57 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد ربيع.. أستاذ علم الحضارات

GMT 04:59 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اعترافات ومراجعات (80).. اليهود وكورت فالدهايم

GMT 03:37 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 02:51 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مكتبة الإسكندرية وسراج الدين مكتبة الإسكندرية وسراج الدين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab