اعترافات ومراجعات 98 آلام الرحيل

اعترافات ومراجعات (98) آلام الرحيل

اعترافات ومراجعات (98) آلام الرحيل

 العرب اليوم -

اعترافات ومراجعات 98 آلام الرحيل

بقلم : مصطفى الفقي

عندما صدمنى نبأ رحيل صديق عزيز وغالٍ، هو المثقف المغاربى الكبير محمد بن عيسى، شعرت أن الزمن يطوى واحدًا من أنصع صفحاته، وأن القدر يستدعى إنسانًا رائعًا من عالم الفناء إلى عالم البقاء. وظللت لعدة أيام أهرب من الخبر، ولا أستطيع تصديقه، ولا حتى الكتابة عنه، فقد كان سى محمد بن عيسى محبًا لأصدقائه، شديد الإيمان بالتواصل الإنسانى، عميق الفهم للحالة المصرية، لأنه درس فيها منذ بداية تعليمه الثانوى، وفهم شخصية شعبها، وأدرك عاداتها وتقاليدها، فكان بحق حلقة وصل مضيئة بين المشرق والمغرب العربيين، فى بساطةٍ وهدوءٍ ورُقى.

كان أول لقاءٍ جمعنى به فى القصر الملكى بالرباط، حيث كنت مرافقًا للرئيس الراحل محمد حسنى مبارك فى زيارته الرسمية للملك الحسن الثانى. وعلى موائد الطعام، وجدت نفسى أجلس إلى جانب السيد محمد بن عيسى، المثقف العربى الكبير ووزير الثقافة والخارجية بعد ذلك. يومها لاحظت أنه يلتقط طعامه باحتياطٍ شديد، رغم أن المائدة المغربية -والملكية منها تحديدًا- هى أفخر المآدب وأرقى الموائد، حتى إنه مع تغيير كل طبق يجرى تغيير مفرش المائدة المرتبط به. فقلت له يومها: «يا سى محمد، لماذا تأكل بهذا الحذر؟»، فقال لى: «إن طبيبه فى باريس قد نصحه ألا يأكل الدسم، ولا يبالغ فى الامتلاء بالطعام أو الشراب، حرصًا على صحته وامتداد عمره». ثم أضاف بن عيسى -رحمه الله- قائلًا: إنه سأل الطبيب: «إذا كنت سوف أتبع هذه الاحتياطات، فبأى مرض سأموت فى تلك الحالة؟»، فقال له الطبيب الفرنسى ساخرًا: «سوف تموت عندئذٍ بالنكد!».

قابلت السيد محمد بن عيسى فى كل زياراته لمصر، وكل زياراتنا للمغرب الشقيق، وكان الرجل فى كل الحالات ودودًا، حسن المعشر، رقيق الحاشية. لذلك، فإنه عندما طُلب منى اقتراح أسماء جديدة لمجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، عندما كنت مديرًا لها، وضعت اسم المثقف المغربى الكبير محمد بن عيسى على رأس القائمة، إيمانًا منى بكفاءته العالية، واحترامًا لمكانته المرموقة.

وقد كان للرجل أصدقاء كثر فى مصر، أتذكر منهم الكاتب الصحفى سليمان جودة، والمفكر المثقف د. مصطفى حجازى، وخبير السياحة العالمية المتخصص فى الشئون الأمريكية الأستاذ عمرو بدر. ولقد أصابتهم جميعًا، مثلما أصابت كل المثقفين العرب، صدمة برحيل ذلك المفكر الكبير، الذى كان ينتمى إلى الإنسان فى كل زمانٍ ومكان، بلا تمييزٍ أو تفرقة، بسماحةٍ ومحبةٍ وبشاشةٍ يندر أن نراها فى حياتنا.

ولا أنسى مهاتفته لى، داعمًا ومشجعًا، عندما رشحتنى بلادى رسميًا لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية عام ٢٠١١، وهو أمر لم يتحقق لأسباب سياسية خارجة عن إرادتى، ومتصلة بصراعات علوية وحسابات وقتية، أعفى نفسى من الخوض فيها. ولكنى أتذكر للسيد بن عيسى مجاملته لى، ودعمه المتواصل لما أكتب وما أقول.. رحمه الله، وعوَّض الثقافة والدبلوماسية خيرًا منه وبديلاً عنه، فلقد كان متفردًا بسماته الفكرية وصفاته الشخصية.

arabstoday

GMT 00:04 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

من روائع أبي الطيب (37)

GMT 00:04 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

الصين عظيمة مرة أخرى

GMT 00:04 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

سيناريوهات رفع الدعم عن الوقود

GMT 00:04 2025 الخميس ,20 آذار/ مارس

النظام الدولى فى انحدار

GMT 07:39 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

قيام الدولة: بالإرغام أو بالغلبة؟

GMT 07:33 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

أنفسنا أصابها الجفاف!

GMT 07:28 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

مدن البقايا

GMT 07:24 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

أتُراكَ تعرف نفسكَ؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 98 آلام الرحيل اعترافات ومراجعات 98 آلام الرحيل



إطلالات هدى المفتي تجمع بين الأناقة العصرية والبساطة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - حمادة هلال يكشف حقيقة وجود طلاسم في "المداح"

GMT 00:01 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

صور من رحلة لا تنسى

GMT 06:58 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

نوستالجيا رمضان!

GMT 07:17 2025 الأحد ,16 آذار/ مارس

مفاهيم خاطئة شائعة حول ديكور المنزل

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,19 آذار/ مارس

أميركا تنفذ 10 ضربات على مناطق في اليمن
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab