تغول السلطة التنفيذية

تغول السلطة التنفيذية

تغول السلطة التنفيذية

 العرب اليوم -

تغول السلطة التنفيذية

بقلم - مصطفى الفقي

مصر مجتمع نهرى مركزى قديم، عرف الإدارة منذ فجر التاريخ بسبب توزيع مياه النيل والدخول مبكرًا فى العصر الزراعى، لذلك كان طبيعيًا أن تكون السلطة التنفيذية هى أقوى السلطات الثلاث فى تاريخنا الطويل، بل إن الماضى القريب يؤكد هذا المعنى، فلكى يكون «فؤاد باشا سراج الدين» سكرتيرًا عامًا لحزب الوفد مع «النحاس باشا»، فذلك لأنه كان وزيرًا للزراعة ثم وزيرًا للداخلية، كذلك فإن د.«يوسف والى» حينما كان أمينًا عامًا للحزب الوطنى، فإن من مبررات ذلك الموقع منصبه كوزير للزراعة، فالعمل السياسى فى مصر إن لم يتم تطعيمه بمظاهر السلطة التنفيذية فلا جدوى منه، إنها حقيقة مؤلمة ولكنها تعبر بصدق عن تغوّل السلطة التنفيذية فى تاريخنا الوطنى، حتى إن دساتير مصر الحديثة قد وضعت رئيس الجمهورية على قمة السلطة التنفيذية أيضًا برغم أنه الحكم بين السلطات الثلاث - القضائية والتشريعية والتنفيذية - واضعين فى الاعتبار أن المواطن المصرى فى الريف والحضر يفضل (اللعب فى السليم) ويراهن دائمًا على السلطة و(يتمرغ دائمًا فى الميرى)، ذلك ميراث دهرى يصعب تجاهله، ولعلى أطرح هنا الملاحظات الآتية:

أولًا: قد يظن البعض أن تغول السلطة التنفيذية ظاهرة قاصرة على التاريخ الوزارى للدولة المصرية ولكن واقع الأمر يختلف عن ذلك، لأن تغول السلطة التنفيذية يبدو ظاهرة عامة، إذ إن الجيش والشرطة يتبعان بالضرورة الحكومة القائمة، ولذلك فإنه من العبث تصور أن يكون دور الحكومات شكليًا فى مواجهة السلطتين التشريعية والقضائية، وبالنسبة لمصر تحديدًا فإن الأمر له خصوصيته، إذ إن تكوين الدولة المصرية تاريخيًا وجغرافيًا يتسم بالسيطرة على الوادى والدلتا، لأن الصحراء الواسعة فى الشرق والغرب هى حواجز مانعة تسمح للإدارة بأن تحكم قبضتها فى الداخل وتجعل الحديث عن تغول السلطة التنفيذية أمرًا طبيعيًا.

ثانيًا: إن جغرافية مصر جعلت التوزيع السكانى متوائمًا مع التقسيم الإدارى للسلطة التنفيذية دون حواجز كبيرة، وبالتالى فإن الأرض المنبسطة وشبكة الرى المتفرعة تجعل من الدولة المصرية نموذجًا للتقسيم الإدارى الذى يتسم بالإحكام والقدرة على ضبط مياه الرى وتحديد مواسم الزراعة والاندفاع نحو مجالات التطور الحديثة، وفى مقدمتها التصنيع واستخدام التكنولوجيا فى الحياة اليومية، لذلك تبقى السلطة التنفيذية فى النهاية هى مركز الثقل فيما أشرنا إليه.

ثالثًا: إن مصر دولة ملتقى، وهى بوتقة انصهرت فيها حضارات متعاقبة وثقافات وافدة وديانات مستقرة، لذلك فكان من الطبيعى أن تصبح السلطة التنفيذية تعبيرًا عن الولاء للحاكم فرعونًا أو ملكًا أو رئيسًا ولا يمكن الخروج من هذا النمط التاريخى، لأن طاعة ولى الأمر هى تقليد مصرى لم يخرج عليه الشعب إلا فى مناسبات تتصل بالقهر السياسى أو غياب العدالة الاجتماعية أو شيوع الفساد.

رابعًا: لقد علّمت مصر الدنيا أصول التقاليد البيروقراطية وزرعت لدى الجميع شعورًا قويًا بأن الإدارة المركزية هى صيغة أفضل للدولة المتجانسة وقد لا يكون ذلك صحيحًا على إطلاقه، ولكن ذلك هو ما حدث لأن النظام الإدارى المصرى هو وريث لنظم عتيدة من الفرعونية إلى العثمانية، وصولًا إلى التأثر بالبيروقراطية البريطانية المعروفة، فالإنجليز يسمون (الواسطة) Reference - مرجعية – و(الرشوة) gift – هدية - ولقد التقط المصريون جزءًا من نمط التفكير البريطانى على قلة ما التقطوه من ذلك المحتل.

خامسًا: إن حجم الفرد فى التاريخ المصرى منذ العصر الفرعونى كبير ومتميز وتدور فى فلكه المؤسسات ويتطلع إليه الأفراد، وذلك تقليد موروث عرفته مصر عبر عصورها المختلفة، لأن الفرد فى مصر غالبًا ما يكون أكبر من المؤسسة ذاتها، سواء أكانت تلك المؤسسة صغيرة أو كبيرة أو حتى دولة، وذلك يعنى أن من يحكم هو من يدير تلقائيًا دورة الحياة ويصرف شؤون المؤسسة التى يديرها، كما أنه يظل دائمًا رمزًا للسلطة التنفيذية التى تملك حق المنح والمنع وتتعامل دائمًا وفقًا لمعايير الخلفية التاريخية لهذا الوطن العريق.

إن تغول السلطة التنفيذية ليس ظاهرة عابرة فى تاريخنا، ولكنه مظهر متأصل عرفناه عبر القرون وقد يظل كذلك لعقود قادمة.

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تغول السلطة التنفيذية تغول السلطة التنفيذية



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 16:16 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل
 العرب اليوم - ميمي جمال تكشف سبب منع ابنتها من التمثيل

GMT 06:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحكومة والأطباء

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:18 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

رسميًا توتنهام يمدد عقد قائده سون هيونج مين حتى عام 2026

GMT 13:28 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

5 قتلى جراء عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تعلن إسقاط معظم الطائرات الروسية في "هجوم الليل"

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

شركات الطيران الأجنبية ترفض العودة إلى أجواء إسرائيل

GMT 19:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

أوكرانيا تؤكد إطلاق عمليات هجومية جديدة في كورسك الروسية

GMT 10:12 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

انخفاض مبيعات هيونداي موتور السنوية بنسبة 8ر1% في عام 2024

GMT 11:11 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

إقلاع أول طائرة من مطار دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد

GMT 18:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

هوكستين يؤكد أن الجيش الإسرائيلي سيخرج بشكل كامل من لبنان

GMT 07:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

استئناف الرحلات من مطار دمشق الدولي بعد إعادة تأهيله

GMT 10:04 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

البيت الأبيض يكتسى بالثلوج و5 ولايات أمريكية تعلن الطوارئ

GMT 08:21 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يتعرّض لهجوم جديد بسبب تصريحاته عن الوشوم

GMT 06:39 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

زلزال قوي يضرب التبت في الصين ويتسبب بمصرع 53 شخصًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab