ديمقراطية العلاقات الدولية المعاصرة

ديمقراطية العلاقات الدولية المعاصرة

ديمقراطية العلاقات الدولية المعاصرة

 العرب اليوم -

ديمقراطية العلاقات الدولية المعاصرة

بقلم : مصطفى الفقي

 ثار جدلٌ كبير لعقود عدة حول الوزن النسبى لكل دولة مقارنة بغيرها، وهو جدلٌ يتوازى مع بعض الذين قالوا إن القيمة الفعلية لفردٍ أو لمؤسسة إنما تأتى من مكانته بالمقارنة مع سواه، ولقد بالغ بعض الشراح من فلاسفة الديمقراطية الحديثة إلى حد القول إن أوزان الأصوات الانتخابية حتى البرلمانية منها ليست متساوية بمعنى أنه لايمكن إقرار مبدأ المساواة بين أصحاب الأصوات الانتخابية والتفرقة بينهم، فالناخب المتعلم يجب أن يختلف – فى وجهة نظر أصحاب هذا الرأى – عن نظيره غير المتعلم وأن يحوز ثقلاً متميزًا بمنطق اختلافه عمن سواه، وقد سادت تلك النظرية ومازالت رغم بعض الأصوات النشاز التى كانت تدعو إلى ذلك التفاوت الذى يحيل عملية التصويت الانتخابى إلى عملية انتقائية تبتعد به بالتالى عن المفهوم الأصيل للديمقراطية، ولقد انسحب الأمر نفسه على العلاقات بين الدول، وأصبح البعض يتساءل كيف يكون للولايات المتحدة الأمريكية مثلاً صوت واحد يتساوى مع صوت دويلة صغيرة فى جزر الكاريبى، وواقع الأمر أن المساواة هنا شكلية بحتة، فيجب أن نلاحظ أن المجتمع الدولى يضم أيضًا مراكز قوى تتمحور حول بعض الدول وتعطيها ثقلًا خاصًا يميزها عن سواها، فهل يمكن القول مثلاً إن دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يتساوى مع رئيس أى دولة إفريقية صغيرة؟! لذلك فإننا نقول صراحة إن ديمقراطية العلاقات الدولية وهم كبير وأمر لا وجود له، إذ إن الذى يحكم العلاقة بين الدول عادة هو حجم قوة كلٍ منها وتفوقها الاقتصادى وتقدمها التكنولوجى وتميزها الصناعى ووفرة مواردها الزراعية، بل ويمكن أن يضاف إلى ذلك ما تحويه من كنوز أثرية وتراثٍ إنسانى مازال يشد الانتباه ويلفت الأنظار، وقد كان أستاذنا الدكتور بطرس غالى يقول لنا فى منتصف ستينيات القرن الماضى إن المجتمع الدولى يسعى إلى تحقيق الديمقراطية فى العلاقات بين الدول والمساواة أمام الشرعية الدولية وأحقية كل دولة منها فى صوتٍ واحد يتساوى مع غيرها فى المنظمات العالمية، ولكن جاءت نتائج الحرب العالمية الثانية لتطيح بهذا المفهوم ويظهر مجلس الأمن بدوله الخمس صاحبة حق النقض لكى يطيح بهذه الرؤية المثالية، ففى الوقت الذى توجد فيه الجمعية العامة كمنبر خطابى تنفس فيه الدول عن آمالها فإنه يترك لمجلس الأمن حق المصادرة لبعض الدول على المجتمع الدولى بأسره بحيث برزت التفرقة الصارخة بين دولة ودولة وفقًا لمكانتها ورسوخ وضعها على الساحة الدولية، وما أكثر ما شهدنا فى العقود الأخيرة من خرق واضح، وتجاوز فاضح للأعراف الدولية والقوانين الوضعية بحيث أصبح الحديث عن ديمقراطية العلاقات الدولية لغوًا لا طائل من ورائه، ونحن إذ ننظر حولنا فى العالم المعاصر فإننا نكتشف بوضوح أن الأوزان متفاوتة، وأن المعايير مزدوجة وأن الكيل يتم بمكيالين، ولا صحة إطلاقًا لما كان يتردد عن المساواة القانونية فى العلاقات الدولية بين الدول، متفاوتة الحجم المختلفة القيمة، وهاهى الإدارة الأمريكية الجديدة تطيح بمثل هذا المفهوم تمامًا وتكشف عن الوجه الحقيقى الذى يعبر عنه الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب الذى يرفض العولمة مستنكرًا المبادئ الليبرالية فى العلاقات الدولية عمومًا، فهو يقول – وما أكثر ما يقول – أحاديث نجد أنها تتنافى مع مفهوم العدالة الدولية واحترام الشرعية، والاعتماد على القواعد الآمرة للقانون الدولى حتى إن كان تنفيذها صعبًا وتحقيقها مستحيلاً، فالذى يجرى حولنا الآن محبط تمامًا لمفهوم العلاقات الدولية كما كان ينادى به ويريده المتفائلون فى المجتمع المعاصر، وذلك بعد أن كشفت الأحداث الكبرى والأزمات الضخمة عن العوار الشديد فى العلاقات الدولية المعاصرة والضربات الموجعة التى تلقاها مفهوم السلم والأمن الدوليين والعودة إلى ما يشبه شريعة الغاب حيث يفترس الأقوى الأضعف، ويفتك الكبير بالصغار فى ظل لغو مستمر عن الحريات المفقودة والمساواة الضائعة، إننى ألفت النظر أننا أمام فصل جديد فى العلاقات الدولية لا يقف عند حدود جريمة الفيتو الدائمة وهو الذى يجرى استخدامه للدفاع عن الظلم الدولى وحماية سطوة القادرين على غيرهم بدون وجه حق، لقد تجاوز الأمر ذلك كله وأصبحنا على أعتاب مرحلة لا ندرى منتهاها، ولكن المؤكد فى كل الأحوال أن ديمقراطية العلاقات الدولية المعاصرة أصبحت فى خبر كان.

 

arabstoday

GMT 08:53 2025 الخميس ,10 إبريل / نيسان

لن تكون قضيّة علويّة في سوريا…

GMT 07:11 2025 الخميس ,10 إبريل / نيسان

تواريخ

GMT 07:07 2025 الخميس ,10 إبريل / نيسان

إرث السودان... واللصوص

GMT 07:05 2025 الخميس ,10 إبريل / نيسان

السودان: المسيّرات والحسابات الخاطئة!

GMT 07:03 2025 الخميس ,10 إبريل / نيسان

عن ثنائية السلاح والمصارف «الزومبي»!

GMT 07:01 2025 الخميس ,10 إبريل / نيسان

سفن ساحورع تعود من بلاد بونت... عودة أخرى

GMT 06:59 2025 الخميس ,10 إبريل / نيسان

حروب عبثية وأخرى ضرورية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ديمقراطية العلاقات الدولية المعاصرة ديمقراطية العلاقات الدولية المعاصرة



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:13 2025 الثلاثاء ,08 إبريل / نيسان

من الملفّ النووي… إلى مستقبل النظام الإيراني!

GMT 08:00 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

لن يتغيّر وجه الشّرق الأوسط قبل كسر إيران

GMT 12:33 2025 الثلاثاء ,08 إبريل / نيسان

نقابة الصحفيين الفلسطينية تدين مذبحة «خان يونس»

GMT 02:58 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

القوات الروسية تتقدم في 7 مناطق بأوكرانيا

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

مقتل 3 أشخاص في إطلاق نار بولاية فرجينيا

GMT 11:33 2025 الثلاثاء ,08 إبريل / نيسان

منة شلبي تكشف صعوبات أول عمل مسرحي

GMT 04:21 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.8 يضرب تايوان

GMT 03:12 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

انخفاض أسعار النفط بأكثر من دولار عند التسوية

GMT 07:48 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

ترمب وإيران ودروس لـ«حماس»
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab