دول المغرب العربي وحوارات المشرق

دول المغرب العربي وحوارات المشرق

دول المغرب العربي وحوارات المشرق

 العرب اليوم -

دول المغرب العربي وحوارات المشرق

بقلم - مصطفي الفقي

ينظر عرب المشرق إلى أشقائهم في دول المغرب العربي باعتبارهم همزة وصل مع أوروبا وأكثر بعداً من الحياة العربية التقليدية، وربما تشكل ذلك الانطباع من وجود اللغة الفرنسية كلغة ثانية في الأقطار العربية بالشمال الأفريقي، فضلاً عن أن القرب الجغرافي يصنع قدراً كبيراً من الألفة بين شعوب شمال أفريقيا والشعوب الأوروبية، خصوصاً فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وربما اليونان أيضاً، فضلاً عن جزر البحر المتوسط وأدى ذلك بالضرورة إلى قدر كبير من الاندماج الثقافي والتواصل الاجتماعي.

لا يخفى على أحد أن وجود لغة ثانية للعرب في الشمال الأفريقي فتح لهم طاقات التعامل لا مع فرنسا وحدها، لكن أيضاً مع الدول آنفة الذكر، بينما المشرق العربي هو وريث ثقافات وحضارات وديانات مرت على الجزيرة العربية وبلاد الرافدين وأبناء الحضارة الفينيقية وامتدت جنوباً إلى مملكة سبأ وتلاحمت مع دول القرن الأفريقي. ويكفي أن نتأمل التأثير العماني في زنجبار وتنزانيا وغيرهما من دول تلك المنطقة.

كما أن المغرب العربي أيضاً عرف أصولاً عرقية مختلفة امتد معظمها إلى فترة الفتوحات الإسلامية، فاختلط العرب بالأمازيغ وأصبحنا أمام فسيفساء رائعة للمكونات البشرية في تلك المنطقة المحصورة بين الساحل والصحراء، لكن ذلك لا يلغي الحقيقة الواضحة من التجانس السكاني بين المشرق والمغرب في العالم العربي الواحد، إذ إن اللغة هي الأساس في الاندماج البشري وهي حجر الزاوية في التحول إلى الأفضل، لكن الأمر الذي لا خلاف عليه هو أن هناك اهتمامات مشتركة بين جناحي الأمة العربية ومراكز اهتمام وأعصاب اشتباك يمكن عرضها في النقاط التالية:

أولاً: إن للمشرق العربي همومه ومشكلاته وأزماته على نحو يصنع أولويات ليست هي بالضرورة أولويات المغرب العربي وإن كنا نسلم بأن القضية الفلسطينية هي هم مشترك وعبء يتحمله المشارقة وأبناء المغرب العربي بالدرجة نفسها، نحن لا ننسى أن عاهل المغرب كان هو رئيس لجنة القدس كما أن منظمة التحرير الفلسطينية عندما أبعدت عن المشرق العربي وجدت ملاذها في دولة تونس، كذلك كان شأن جامعة الدول العربية التي استقرت لبضعة أعوام هناك بعد سياسات "كامب ديفيد" إلى أن عادت لمقرها في القاهرة مثلما حدده ميثاق الجامعة.

كما أن سنوات حكم القذافي دفعت دول المغرب العربي إلى الدخول في سياسة المشرق من مدخل القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى، والمسؤولية المشتركة الموزعة على الأطراف العربية كافة مهما تباينت مواقفهم أو تفاوتت توجهاتهم تجاه العلاقة مع إسرائيل، إلا أن الأمر الذي يبقى دائماً هو ذلك الإحساس الدفين بالأرض المغتصبة والحقوق السليبة والقدس التي لا تغيب عن الضمير العربي والإسلامي بل المسيحي واليهودي أيضاً، فهي أم المدائن ومدينة الصلاة كما تغنت لها فيروز.

ثانياً: إن حرب التحرير الجزائرية أضافت هي الأخرى بعداً قومياً عروبياً يصعب تجاهله لأنه شد الانتباه العربي إلى كفاح ذلك الشعب الباسل باعتباره عاملاً مشتركاً بين الشعوب العربية التي احتفت بالجزائر ثورة ودولة. وهنا نشير إلى أهمية التداخل بين الإسلام والعروبة في المغرب العربي فلقد تحول الدين إلى قومية أيضاً في مواجهة الاستعمار الغربي ومحاولات الفرنسة في معظم تلك الدول قبل استقلالها، ولا شك في أن تفاعل المغرب العربي مع شؤون وشجون المشرق العربي أمر لا يتوقف، وما زلت أتذكر أن أكبر تظاهرة لدعم العراق في مواجهة العدوان الأميركي كانت في إحدى مدن المغرب تعبيراً عن التضامن والتلاحم مع أبناء المشرق حراس البوابة العربية على الحدود مع آسيا الإسلامية.

ثالثاً: إن الهجرات المشرقية إلى دول المغرب منذ الفتح الإسلامي مروراً بالحكم الأموي في الأندلس والدول التي تتابعت على الشمال الأفريقي إنما هي في مجملها تأكيد للانصهار السكاني والتوافق الثقافي لدى الجميع وما زالت الهجرات المتبادلة تترك بصماتها، ففي مصر على سبيل المثال استوطن بنو هلال صعيدها الجنوبي كما وصلت اللغة الأمازيغية إلى أبناء واحة سيوة وأصبحنا أمام تبادل مستمر للطوائف والأفكار في كل مجال من أركان العالم العربي باتجاهاته المختلفة.

رابعاً: لا بد من أن نعترف بأن مشكلة الصحراء الغربية تركت بصماتها في العقود الأخيرة على وحدة المغرب العربي وشعوبه المتجانسة، ولم يعد مقبولاً أن يظل الوضع هكذا بين أكبر دولتين في المغرب العربي، وعلى رغم أن جهود الأمم المتحدة تواصلت ولعب وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر دوراً فاعلاً في دبلوماسية التوفيق بين الطرفين، إلا أننا لا بد من أن نقر بأن الاتحاد المغاربي تأثر سلباً بذلك النزاع الطويل الذي لا بد من أن يحسمه الطرفان لأن المشترك بينهما أكبر بكثير من المختلف عليه.

أتذكر هنا أن أول مهمة كلف بها الرئيس الراحل أنور السادات نائبه الجديد حسني مبارك عام 1975 كانت الوساطة المكوكية بين القطرين العربيين الشقيقين والغاليين على الجميع الجزائر والمغرب، ذلك أنه حان الوقت لعودة روح المصالحة في ذلك الإقليم مثلما هي أجواء المصالحة الحالية بين دول المشرق العربي على رغم كل ما كان بينها من خلافات، بل تضارب في المصالح أحياناً، إلا أن المكون العربي الأصيل ينبغي أن يسود في النهاية.

خامساً: إن اختلاف وجهات النظر تجاه المشكلات الدولية والإقليمية أمر وارد في المشرق العربي والمغرب العربي على السواء، وهنا نتذكر الاختلاف الواضح بين مواقف عدد من الدول العربية مثل الجزائر وسوريا الداعمتين نسبياً لوجهة النظر الروسية في الصراع الأوكراني وبذلك نكتشف أن دبلوماسية الدول العربية تتفاوت في تقديرها وفقاً للمصالح الثنائية المباشرة مع أحد الجانبين الروسي أو الأوكراني وما يقف خلفهما من قوى داعمة على امتداد خريطة العالم المعاصر.

ما زلت أتذكر أنه عند إلقاء الرئيس الأوكراني كلمته أمام القمة العربية في جدة فإن الوفد السوري خلع سماعات الترجمة تعبيراً عن رفضهم الاستماع إلى وجهة النظر الأوكرانية وكنا نتوقع دولاً أخرى يمكن أن تفعل الشيء نفسه ومنها الجزائر تعبيراً عن روح الاحتجاج على دعوة ذلك المسؤول الأوكراني إلى تلك القمة، بينما ظهر في ما بعد أن ذلك تم بترتيب مسبق وإخطار مقبول من الكرملين، وتلك هي السياسة الدولية لعبة حلزونية تتخطى حدود القوميات والثقافات لتعبر عن مصالح مرحلية لدول بذاتها حتى لو لم تكن هناك إشارات علنية واضحة.

لعلي أتمنى هنا أن يبرع العرب في عملية توزيع الأدوار كما نجحت فيها جبهات أخرى أتذكر منها تحديداً المنظومة الحزبية الإسرائيلية ودورها في توجيه مواقف تل أبيب والتعبير عن مصالحها، لذلك فإن توزيع الأدوار هو عملية ذكاء سياسي يمكن أن تؤدي إلى حلول مقبولة للمشكلات القائمة حتى لو لم تكن خياراً إجماعياً داخل المجموعة العربية أو الأفريقية.

إن خلاصة ما نريد أن نصل إليه هو أن نؤكد الأرضية القومية المشتركة بين عرب المشرق وعرب المغرب وأن نلح في تأكيد هذا المعنى على الدوام لأن الأمة العربية بتكوينها التاريخي وموقعها الجغرافي مترابطة عبر العصور قوية أمام الأعداء وفي الوقت ذاته هي مستهدفة بأطماع تحيط بها وألاعيب تدور حولها ولكنها تبقى في النهاية أمة صلبة على رغم النكسات والعثرات والكبوات.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دول المغرب العربي وحوارات المشرق دول المغرب العربي وحوارات المشرق



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab