بقلم - مصطفي الفقي
عندما يقترن شهر رمضان بالصيام الكبير لدى أشقاء الوطن، فإننا نشعر بتعانق المناسبات وتآخى مظاهر البهجة على أرض الديانات والثقافات والحضارات، فمصر رفيقة التاريخ التى عايشت طفولته ومضت معه على طريق طويل لا ينتهى أبدًا، أكتب هذه السطور لأسجل بعض مظاهر الوحدة الوطنية فى بلادنا وأتذكر بداية أن الرئيس الراحل حسنى مبارك قد حكى أمامى ذات يوم أنه كان يستذكر دروسه مع زميله القبطى فى المدرسة منير حماية بمنزل الأخير وعندما تشعر والدة منير بأن الوقت قد تأخر تعرض على الطفل حسنى أن يبيت مع أخيه منير ليذهبا معًا إلى المدرسة فى الصباح الباكر ويقول الرئيس الراحل: إنه كان يشعر وهو نائم بجوار صديقه وزميله بأن السيدة الفاضلة والدة منير تمشى على أطراف أصابعها لوضع الغطاء وإحكامه على ابنها، ثم تقوم بنفس الشىء تمامًا بالنسبة للطفل حسنى، ضيف ابنها، وهى تظنه نائمًا لا يشعر بذلك الدفء العائلى وحنان الأمومة للاثنين معًا، ويضيف الرئيس الراحل فى حديثه أنه منذ ذلك الوقت تعلم أنه لا تفرقة إطلاقًا بين مسلم وقبطى فى بلادنا، فالنسيج واحد والدماء مشتركة والسلوك لا يختلف، ولقد ذهبت إلى الرئيس الراحل ذات مرة أقول له: إن رسالة وصلت من أحد القضاة يقول فيها إن المرشح لرئاسة محكمة استئناف القاهرة هو المستشار ألفونس رياض- إذا لم تخنى الذاكرة فى الاسم- ولأنه قبطى فقد تكون هناك حساسية أثناء تلك الفترة لأنه سيكون الآمر بتحويل المتهمين فى قضايا التطرف الدينى إلى مستويات القضاء الأخرى، وقد يكون فى ذلك حرج يثير حساسيات قد تحدث، فرد على الرئيس - رحمه الله- قائلًا: اسأل لى إذا كان ذلك القاضى المحترم تركيًا أم يونانيًا أم مصريًا، عندئذ شعرت بغضب الرئيس الذى قال لى: أبلغ المستشار وزير العدل بأن رئيس استئناف القاهرة الذى عليه الدور بالأقدمية سيؤدى اليمين فى منصبه الجديد بعد غد، وقد كان.
وأتذكر أيضًا فى هذه الأيام المباركة أن البابا شنودة الثالث كان فى لقاء مع الرئيس مبارك، مشيدًا بقراره اعتبار يوم الكريسماس القبطى عطلة رسمية فى السابع من يناير كل عام وأضاف الرئيس يومها للبابا أنه يفكر فى أن يعلن عيد القيامة أيضًا عطلة رسمية، لكن البابا الراحل قال له: يا سيادة الرئيس لا داعى لذلك فميلاد السيد المسيح لا خلاف عليه بين المسلمين والمسيحيين، أما قيامته فهى مسألة خلافية من الناحية الدينية، لذلك لا داعى لاعتبار عيد القيامة عطلة رسمية فى البلاد، وهكذا ارتفع البابا شنودة الثالث فوق النظرة الطائفية ليقف على أرضية وطنية تسعى لسلامة الوطن المصرى قبل غيره، وفوق كل اعتبار آخر، وفى يوم الاحتفال برفع العلم المصرى فوق طابا جاءت عودتى بالطائرة الهليكوبتر فى مقعد بجوار الإمام الراحل د. محمد سيد طنطاوى الذى كان مفتى الجمهورية حينذاك، وفى طريق العودة بتلك الطائرة المروحية من طابا إلى القاهرة قال لى المفتى الراحل: أرجوك أن تبلغ السيد الرئيس أننى عندما زرت قريتى فى صعيد مصر مؤخرًا بعد سنوات من الانقطاع وجدت أن الأسر القبطية القليلة التى كانت موجودة فى القرية قد هجرتها بالنزوح إلى المدن الكبيرة أو الهجرة إلى الخارج، وأضاف أنه قد سأل عن عم عيسى النجار وعم جرجس الصراف وغيرهما ممن كان يعرفهم، فعلم أنهم قد هجروا القرية هم وأسرهم طلبًا للسلامة وابتعادًا عن أى متاعب محتملة فى المستقبل نتيجة شيوع التطرف الدينى فى تلك الفترة من ثمانينيات القرن الماضى، وعندما حكيت ذلك للرئيس الراحل كان ينادينى أمام كبار المسؤولين ليستشهد بما قاله مفتى الديار المصرية ليعزز بذلك شعوره بالقلق من تيارات متشددة تسطو على أرض الكنانة.
هذه نماذج لبعض ومضات الوحدة الوطنية أتذكرها فى هذا الشهر الكريم الذى يسعد به الجميع تحت مظلة الوحدة الوطنية والمحبة الراسخة فى الوجدان المشترك لكل المصريين.