تاريخ ما أهمله التاريخ التطبيع الرياضى والتصرف التلقائى

تاريخ ما أهمله التاريخ: التطبيع الرياضى والتصرف التلقائى!

تاريخ ما أهمله التاريخ: التطبيع الرياضى والتصرف التلقائى!

 العرب اليوم -

تاريخ ما أهمله التاريخ التطبيع الرياضى والتصرف التلقائى

بقلم : مصطفى الفقي

نتوهم نحن العرب أن مسألة التطبيع مع «إسرائيل» مازالت تمثل هاجساً تاريخياً لديها، والأمر لم يعد كذلك، إذ إن وضعى «إسرائيل» الدولى والإقليمى مستقران إلى حد كبير، ولم تعد- للأسف- بحاجة إلى شهادة عربية لإثبات وجودها وتأكيد أمنها، فلقد تغيرت الأحوال وتبدلت الصورة إلى حد كبير، وأصبح كثير من الدول العربية تهرول إليها سراً وإن استحت أن تفعل ذلك علناً وأصبح سلاح التطبيع فى خبر كان!

ولأن «إسرائيل» دولة عنصرية عدوانية توسعية فإن الأجيال المتتالية قد تربت على مجموعة من المخاوف السياسية والثقافية والدينية التى تحول دون التعامل الطبيعى معها، وأصبحت لدى الأجيال العربية صورة مبالغ فيها لشخصية الإسرائيلى، وكأنما هو يملك قدرات هائلة ومخيفة تستوجب الابتعاد عنه، وتلك ظاهرة مرضية صنعت ذلك (التابو)، أى مجموعة المخاوف والمحاذير التى تحيط بالأمر كله، لقد ثارت القضية من جديد بعدما رفض لاعب الجودو المصرى مصافحة خصمه الإسرائيلى بعد مباراة فى الدورة الأوليمبية بـ«البرازيل»، وظهرت صورته وهو يعطى ظهره للإسرائيلى الذى يمد يده للمصافحة بعد فوزه على اللاعب المصرى، وهى صورة موحية ومؤذية فى ذات الوقت، لأنها تمثل رسالة سلبية تجسد الصورة الذهنية للعرب فى العقل الجمعى للرأى العام الدولى، فالعربى المهزوم يرفض مصافحة غريمه الإسرائيلى أو حتى النظر إليه فى مخالفة صارخة للروح الرياضية ومبادئها المعروفة وتقاليدها الراسخة، وكنت أتمنى لو أن اللاعب المصرى قد رفض من البداية المواجهة مع خصمه الإسرائيلى، وكان ذلك سوف يعد تصرفاً سلبياً وموقفاً انسحابياً، ولكنه أقل ضرراً من المشهد السخيف الذى نشرته الصحف ووكالات الأنباء على امتد

اد قارات العالم كله فى شهادة دامغة تسىء إلى صورتنا أكثر مما هى سيئة- كعرب ومسلمين- أمام غيرنا من أمم الأرض وشعوب الدنيا، لقد استثمرت «إسرائيل» ذلك الحدث الرياضى العابر، حتى إن رئيس وزرائها الملطخة يداه بدماء الفلسطينيين وقف يعلمنا مبادئ الإسلام قائلاً: «إن دينكم يدعو إلى إفشاء السلام ومصافحة الغير»، وسوف يقول الكثيرون ممن يستحسنون تصرف اللاعب المصرى إن ما قام به هو تصرف تلقائى وطبيعى فى مواجهة من ينتمى إلى دولة تقتل الأطفال وتهدم البيوت وتدنس الأقصى وتقهر الفلسطينيين على مدار الساعة، وهذا صحيح، ولكن رد الفعل العربى يفتقد إلى الكياسة والحصافة ولا يخلو من سذاجة وحماقة، فـ«إسرائيل» استفادت بما حدث وخسر العرب بما جرى، خصوصاً أن مجال الرياضة هو آخر ما يجب أن يتعرض لمثل هذه المواقف السياسية غير المبررة، ولعلنا نتذكر أن هناك ما يسمى «دبلوماسية الرياضة»، التى فتحت آفاقاً واسعة وأحدثت اختراقاً فى العلاقات الساكنة، بل والمتجمدة، بين الدول فى العقود الأخيرة، ومازالت مباراة تنس الطاولة بين الفريقين الأمريكى والصينى، فى مطلع سبعينيات القرن الماضى، تمثل علامة فارقة فى التطبيع السياسى والتمهيد الدبلوماسى للعلاقة بين الدولتي

ن الكبيرتين، والتى مهدت لحكومة «بكين» أن تحصل على مقعدها الدائم فى «مجلس الأمن»، إننى أظن أن ما جرى فى الدورة الأوليمبية بـ«البرازيل»، من جانب اللاعب المصرى، هو أمر يثير التساؤل حول جدوى تكرار مثل هذه التصرفات التى لم تعد متماشية مع روح العصر، بل وغير مدركة للمفهوم الصحيح للتطبيع، إذ إن مصافحة اللاعب المصرى الشاب لخصمه الإسرائيلى لا تقدم ولا تؤخر بالنسبة لنا، ولكن الامتناع عنها بالصورة التى رأيناها هو إساءة بالغة لنا وتصرف غير موفق يحسب علينا، واللاعب المصرى مظلوم لأنه قد جرى شحن ذهنه عبر سنوات عمره بمفاهيم تحتاج إلى مراجعة فى ظل ظروف جديدة لم تعد فيها «إسرائيل» تتسول نعمة «التطبيع» مع العرب، إذ إن كثيراً من العواصم التى تعتبر قلاعاً للعروبة والإسلام تغازل «إسرائيل» من طرف خفى وتسعى سراً لما قام به الرئيس المصرى الراحل «أنور السادات» علناً دون مواربة أو تمويه أو إخفاء، لقد تغيرت الدنيا وتبدلت الأوضاع الدولية والإقليمية، ويعتبر من قبيل الرشد السياسى أن نعيد النظر فى كثير من المسلمات التى ورثناها من الصراع العربى- الإسرائيلى الطويل، مدركين أن ما يحدث فى العقود الأخيرة ليس حلاً لذلك الصراع، ولكنه مجرد إدارة له، 

وهو صراع مرير ومعقد بحيث أصبح من المتعين علينا أن ندرك ما جرى وأن نستوعب ما حدث، فلقد فاتنا قطار التسوية بعد أن توقف فى محطات مختلفة، ولكننا أضعنا- إسرائيليين وعرباً- فرصاً يتذكرها الجميع، ولقد حضرت منذ أكثر من ربع قرن محاضرة لوزير خارجية إسرائيل الأسبق «أبا إيبان»، فى النادى الدبلوماسى بـ«القاهرة»، قال فيها لأول مرة: (إن الصراع العربى- الإسرائيلى هو صراع الفرص الضائعة من الجانبين على حد سواء).

إننا نحن العرب لابد أن نفكر بأسلوب مختلف وبفكر رشيد ووعى كامل بالمتغيرات والتحولات حتى لا نكرر ذلك المشهد الذى تناقلته وكالات الأنباء مؤخراً، ولنعترف جميعاً بأن التطبيع مع «إسرائيل» لم يعد سلاحاً فى يدنا له قوة ما كان عليه فى القرن الماضى، ولنحترم تقاليد الرياضة وآدابها وروحها السامية، وألا نقحم السياسة فى غير موضعها فلا يتحقق مكسب لنا، بل تكون الخسارة علينا، وفى النهاية فإن قلبى مع لاعب «الجودو» المصرى، الذى فرضت عليه الثقافة العربية والإعلام القومى أن يتصرف على النحو الذى رأيناه!

arabstoday

GMT 03:57 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد ربيع.. أستاذ علم الحضارات

GMT 04:59 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اعترافات ومراجعات (80).. اليهود وكورت فالدهايم

GMT 03:37 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 02:51 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ ما أهمله التاريخ التطبيع الرياضى والتصرف التلقائى تاريخ ما أهمله التاريخ التطبيع الرياضى والتصرف التلقائى



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 05:31 2025 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

نتنياهو يسعى لتعطيل المرحلة الثانية من اتفاق غزة
 العرب اليوم - نتنياهو يسعى لتعطيل المرحلة الثانية من اتفاق غزة

GMT 13:14 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

بريطانيا تطالب بضمان مستقبل الفلسطينيين في وطنهم
 العرب اليوم - بريطانيا تطالب بضمان مستقبل الفلسطينيين في وطنهم

GMT 12:53 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

محمد هنيدي يخوض تجربة فنية جديدة في السعودية
 العرب اليوم - محمد هنيدي يخوض تجربة فنية جديدة في السعودية

GMT 03:57 2025 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

الرياض تحتضن دمشق

GMT 07:34 2025 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

زلزالان بقوة 4.7 درجة يضربان بحر إيجه غرب تركيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab