التفكير العدمى

التفكير العدمى

التفكير العدمى

 العرب اليوم -

التفكير العدمى

بقلم - مصطفي الفقي

لقد قال القدماء: اليأس أحد الراحتين، وأنا أعترض بشدة على ذلك المنطق، فاليأس هو النهاية ولا يمثل راحة لصاحبه أو لمن حوله، بل هو حالة من الضياع يدخل على إثرها صاحبها إلى عالم يهدم ولا يبنى، يشتت ولا يجمع وسط دوامة عاصفة تقتل الأمل الذى هو إكسير الحياة والذى يعد غيابه بمثابة النهاية لأنه لا حياة بلا أمل، ولا استمرار فى الوجود فى ظل مشاعر عدمية تنظر بمنظار أسود إلى الدنيا حولها ولا تكاد ترى أمامها، ولقد قرأت لبعض الكتاب من ذوى النزعة العدمية وأصحاب الرؤية التشاؤمية ما يثير القلق ويبعث على التوتر، فلو كان لدى أشقائنا الفلسطينيين أمل واضح محدد الملامح ما قاموا بالعمل الانتحارى الضخم فى السابع من أكتوبر عام 2023 بأثره الكبير وتداعياته على كل الأطراف فى المشهد، ومازلت أتذكر أن الأديب الفلسطينى الراحل (أميل حبيبى) كان يقف فى منتصف الطريق ويعبر عن حالته النفسية قائلًا: (أنا متشائل)، لتوصيف حالة الازدواجية التى يعانيها الإنسان الفلسطينى فى الشتات الحائر بين الوطن المفقود والأمل المنشود، وأنا أعرف كاتبًا مصريًا رحل عن عالمنا منذ سنوات كان يهوى الطرق المسدودة ويستعذب مرارة اليأس ويستلهم الجانب المظلم فى زوايا الحياة، وكنت أحسبه دائمًا على المعسكر العدمى بين كتاب وفلاسفة عصره، ولى هنا ملاحظات أرجو أن يتسع صدر القارئ لها:

أولًا: إن غياب الأمل يعنى بالضرورة غياب أكسجين الحياة والدخول فى متاهة التوتر، فلو تاه شخصان فى صحراء واسعة وكان أحدهما مؤمنًا بفلسفة البقاء مفعمًا بروح الأمل فقد يبقى رغم مرارة التيه وعذابات الصحراء، أما الآخر الذى لا إيمان له ولا أمل لديه فهو هالك من البداية لأنه لا يرى أبعد من قدميه.

ثانيًا: إذا كان الأمل يعنى الولاء للحياة وتجدد الروح واندفاع العزيمة إلا أنه فى الوقت ذاته لا يبتعد عن الواقع، ولا يحلق فى متاهات الأوهام والأحلام، بل يسعى حثيثًا إلى رصد الحاضر والتهيؤ للمستقبل، ولذلك فإن الكثيرين يعيشون بالأمل السلبى ويتصرفون وفقًا للسيناريو الأسوأ ويفترضون دائمًا التراجع والنقوص، وقديمًا قالوا: رب ضارة نافعة، لذلك فإن على المرء ألا ينسحق أمام أول هزيمة وألا يضعف إذا تعرض لإخفاق، ولا عجب فالأمل هو الذى يفتح الطاقات ويجدد الحماس، لذلك قيل على سبيل المثال إن الشعب اللبنانى عاشق للحياة منفعل مع الوجود باحث عن السعادة، وهذا صحيح إذ إن ذلك الشعب الشقيق الذى مر بمشكلات وأزمات لا حصر لها لا يزال قادرًا على تجديد الحياة والدفع بباقات الأمل وضخ هرمون السعادة لدى كل أبنائه.

ثالثًا: إن المحن الكبرى والمآسى الحزينة يمكن أن تتحول هى الأخرى إلى طاقات للأمل وتبتعد كثيرًا عن التفكير العدمى اليائس والروح المضغوطة أمام تحديات الزمن وصفعات القدر، وأنا أقول للشعب الفلسطيني: إن أشد المصاعب وأقسى المحن هى منعطفات تاريخية يولد منها الأمل الجديد وتندفع طاقات الحياة فى اتجاه يصب فى غد أفضل مهما تكن المرارة فى الحلوق والآلام فى الصدور واللوعة فى القلوب.

رابعًا: إننا نقول دائمًا إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهذا تعبير دقيق عن كيفية صناعة الأمل واقتحام مفازات اليأس ورفض الروح العدمية، هكذا كنا فى شرخ الشباب وهكذا نحن فى أتون الشيخوخة نعترف فى الحالتين بأن الأمل هو صمام الأمان وهو قاطرة الغد فى كل الأحوال.

خامسًا: إننى أظن عن يقين أن الاندفاع نحو الحياة والاندماج فى غمارها هى مظاهر أفضل من الانزواء والانطواء والاستسلام لأشد أمراض العصر عداءً لإرادة الحياة ودمائها الدافقة، فالاكتئاب هو غول مفترس ينبش أظافره فى صدور البشر ويحيلها إلى خشب مسندة لا تتذوق للحياة طعمًا ولا تعرف للأمل طريقًا، وانا مؤمن بأن الحياة ليست فقط حقيقة، ولكنها أيضًا طريقة ينبغى أن يعتصم بها البشر لمواجهة اللحظات الصعبة والظروف المعقدة والتحديات الشرسة.

إن أصحاب الفكر العدمى هم أعداء لأنفسهم قبل غيرهم، وهم الذين يروجون لتحديات العصر والذين ينشرون أمراضه، بينما الحياة ذات فلسفة مختلفة يمكن أن تفترض فيها الأسوأ متطلعًا إلى الأفضل دون استسلام سلبى ودون ضعف ينهش فى الجسد الإنسانى حتى يحيله إلى كتلة من جليد بارد لا يعرف معنى الحياة ولا يستقر فيه لحن للوجود.

arabstoday

GMT 19:33 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

لا لتعريب الطب

GMT 19:29 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

اللبنانيون واستقبال الجديد

GMT 14:05 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

شاعر الإسلام

GMT 14:02 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

الإرهاب الأخضر أو «الخمير الخضر»

GMT 14:00 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أخطر سلاح في حرب السودان!

GMT 13:56 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

حذارِ تفويت الفرصة وكسر آمال اللبنانيين!

GMT 13:55 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أين مقبرة كليوبترا ومارك أنطوني؟

GMT 13:52 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

نفط ليبيا في مهب النهب والإهدار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التفكير العدمى التفكير العدمى



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 17:14 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عاصفة ثلجية مفاجئة تضرب الولايات المتحدة

GMT 11:55 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

مصر والعرب في دافوس

GMT 11:49 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

ليل الشتاء

GMT 17:05 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يوافق على انتقال كايل ووكر الى ميلان الإيطالى

GMT 17:07 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

كاف يحدد مكان وتوقيت إقامة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025

GMT 03:19 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

القوات الإسرائيلية تجبر فلسطينيين على مغادرة جنين

GMT 17:06 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

بوروسيا دورتموند يعلن رسميًا إقالة نورى شاهين

GMT 17:04 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

شهيد و4 إصابات برصاص الاحتلال في رفح الفلسطينية

GMT 17:10 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حصيلة عدوان إسرائيل على غزة لـ47 ألفا و161 شهيداً

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

منة شلبي تواصل نشاطها السينمائي أمام نجم جديد

GMT 17:09 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر 2023

GMT 09:23 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هنا الزاهد تنضم إلى كريم عبد العزيز وياسمين صبري

GMT 19:45 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هل سيغير ترمب شكل العالم؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab