«أردوغان» ومسرحية العصيان

«أردوغان» ومسرحية العصيان!

«أردوغان» ومسرحية العصيان!

 العرب اليوم -

«أردوغان» ومسرحية العصيان

بقلم : مصطفى الفقي

يتردد سؤال حائر لا يخلو من شكوك مكتومة حول ما جرى فى «تركيا» فى الأيام الأخيرة، فالبعض يرى أن السرعة التى أجهضت بها محاولة الانقلاب المزعوم لا توحى بالجدية الحقيقية فيمن قاموا به أو تجاوبوا معه، فضلًا عن أن ردود فعل الرئيس التركى كانت سريعة وكأنما هناك قوائم معدة سلفًا خصوصًا فى صفوف القوات المسلحة وأعضاء الجهاز القضائى التركى، بحيث أطاح بالآلاف بعد ساعات قليلة من بداية محاولة التمرد التى جرت فى الجيش التركى، كما أن نزول الجماهير إلى الشارع بسرعة ملحوظة يوحى باحتمال مسبق وترتيب جاهز، فحادث «المنشية» مثلًا عند محاولة اغتيال الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» عام 1954 لم تعقبه بتلك السرعة محاولات الاعتقال، كما أنها ظلت وقتها محصورة فى صفوف قيادات جماعة «الإخوان»، بل لقد ذهب البعض أيضًا ليشير إلى محاولة التمرد ضد «هتلر» فى بدايات حكمه واستغلاله لها فى الانفراد بالسلطة والعصف بكل معارضيه بقسوة زائدة وعنف غير مسبوق تجاه كل من حاول أن يرفع رأسه فى وجه النازى الطاغية. أعود إلى «أردوغان» وحركة التمرد والعصيان لكى أشير إلى ملاحظات لابد من الاهتمام بها عند دراسة الحالة التركية الراهنة:

أولًا: إن «أردوغان» قد استفاد من المعجزة الاقتصادية التى ألقى بذورها «تورجوت أوزال» رئيس الوزراء التركى الراحل بحيث تمكنت حكومة «حزب العدالة والتنمية» من رفع مستوى دخل الفرد التركى من «ثلاثة آلاف دولار» إلى ما يقرب من «ثمانية آلاف دولار» فى المتوسط اعتمادًا على الصناعة والسياحة والتجارة العابرة والخدمات المتكاملة، والمواطن فى أى بلد يحكمه دائمًا الوضع الاقتصادى الذى يقع فى مقدمة اهتماماته ولا يحيد عنها مهما كانت النجاحات فى مجالات أخرى، وإذا كانوا قد قالوا من قبل «إن الجيوش تمشى على بطونها» فإن «الشعوب تهدأ بامتلاء أمعائها».

ثانيًا: لقد تمكن «أردوغان» من إحداث صيغة «توفيقية» - أو قل «تلفيقية» - بين المبادئ العلمانية لـ«أتاتورك» والنظرية العامة لـ«الدولة الإسلامية» فى صيغة معتدلة تتناسب مع دولة أوروبية ومجتمع منفتح بالضرورة على دول الجوار، كما أن الرئيس التركى قد لعب أيضًا على أوتار «الأمجاد العثمانية» وحاول استعادة المد الإمبراطورى لبلاده سياسيًا فى المنطقة فأصبحت «أنقرة» لاعبًا رئيسيا فى الأزمة السورية والمأساة العراقية وجزءًا أساسيًا من قوى الصراع الإقليمى فى مواجهة غيرها.

ثالثًا: لقد ارتدى «أردوغان» رداء «القضية الفلسطينية» من منظور إسلامى وجعل منها «قميص عثمان» بدءًا من موقفه الحاد ضد «شيمون بيريز» فى منتدى «دافوس» وصولًا إلى السفينة التركية «مرمرة» التى حاولت كسر الحصار المفروض على «غزة» حتى سقط على متنها عدد من الشهداء الأتراك وبدأت قطيعة بين «إسرائيل» و«تركيا»، اشترطت فيها «أنقرة» اعتذار «إسرائيل» عن الحادث أولًا ثم تعويض أهالى الضحايا ثانيًا، ثم تخفيف الحصار عن سكان «غزة» ثالثًا، وجرت المفاوضات بين البلدين واكتفى الأتراك بتحقيق المطلبين الأول والثانى دون التمسك بالثالث لأن «إسرائيل» لم تستجب له واعتبرته تدخلًا فى شأن لا يتعلق بالعلاقات بين الدولتين، والواقع أن تاريخ الصلات الودية والعلاقات الاستراتيجية بين «إسرائيل» و«تركيا» كانت ولا تزال سؤالًا يطرح نفسه على الأنظمة التركية المتعاقبة، خصوصًا الحكومات ذات التوجه الإسلامى منها والتى تزعم أنها تأثرت بفكر «الإخوان المسلمين» وموقفهم من الصراع العربى الإسرائيلى.

رابعًا: لقد ارتدى «أردوغان» ثوب الديمقراطية الغربية فأصبحت أعماقه «عثمانية إمبراطورية» وأرضيته «أوروبية مدنية»!، وأضحى متعاملًا مع العالمين الغربى والإسلامى بشخصية مزدوجة هى أقرب إلى «الشيزوفرينيا» السياسية منها إلى المبادئ الثابتة أو الأفكار الواضحة، ولقد تمكن من أن يلعب دورًا هامًا هو امتداد للحكومات التركية السابقة بحيث تصبح «أنقرة» ذيلًا يلهث وراء عضوية «الاتحاد الأوروبى» مفضلة ذلك على أن تكون فى مقدمة «الشرق الإسلامى»، ولكنه لم يتخل عن الاثنين معًا وظل يلعب على الحبال المختلفة فى وقت واحد، ثم اتخذ موقفًا لا يخلو من الحمق تجاه «المسألة الكردية»، فالأكراد جزء من النسيج التركى ولكن الصراع القومى المكتوم لم يتوقف وقد لا يتوقف لعقود قادمة.

خامسًا: إن «تركيا» دولة عضو فى «حلف الأطلنطى» وأزعم هنا أن «أردوغان» يتمتع برضاء أمريكى عام ولكنه لا يحظى بمباركة حقيقية من «واشنطن»، ولقد بدا ذلك فى الموقف المتأرجح لـ«العاصمة الأمريكية» خلال الساعات الأولى للانقلاب، ففى البداية تحدثت عن ضرورة الاستقرار دون تخصيص وعندما تأكد لها فشل محاولة الانقلاب بدأ الحديث الداعم لـ«أردوغان» يتردد بثقة واطمئنان!.

رغم كل الملاحظات السابقة فإننى أزعم أن «أردوغان» لم يعد كما كان فسوف يفصح أكثر عن وجهه الديكتاتورى وربما أساليبه الدموية، ليصبح نموذجًا فجًا لـ«الفاشية الإسلامية» - إذا جاز التعبير – علمًا بأن الإسلام دين تسامح واستقرار وعدل، ولقد كان من حسن حظ «أردوغان» أنه أجرى مصالحات مع «روسيا» و«إسرائيل» قبيل الانقلاب بأيام معدودة، وربما يفسر ذلك توقيت حماسه لتطهير الصفوف وضمان الولاء الكامل لحكمه لإحكام قبضته على البلاد والعباد رغم أن «العلمانية الأتاتوركية» عميقة الجذور فى التكوين التركى الحديث، كما أن الجيش هو حارس «المبادئ الأتاتوركية» رغم أن «أردوغان» أطاح بعدد من قياداته من قبل وقام بعملية استعراض للقوى فى مواجهته منذ سنوات، إنها خشونة الأتراك العثمانيين تجرى فى دماء الأحفاد، فالذين نفذوا مذبحة الأرمن عام 1915 هم الذين يقفون وراء مأساة الأكراد بعد قرن كامل، ومازلت أتذكر ذلك اليوم من عام 2007 عندما قال لى زميلى فى «البرلمان العربى» الصديق الجزائرى د.«عبد القادر السمارى» - الوزير الأسبق فى بلاده وصاحب التوجه الإسلامى المعروف - بأننى سوف أشهد فى السنوات القادمة تغييرات كبرى فى المنطقة يلعب فيها «رجب طيب أردوغان» رئيس الوزراء التركى حينذاك دورًا محوريًا، ويومها لم ألتفت كثيرًا لما قاله لى الصديق الجزائرى وأنا اليوم مدين له باعتذار!.

arabstoday

GMT 03:57 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد ربيع.. أستاذ علم الحضارات

GMT 04:59 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اعترافات ومراجعات (80).. اليهود وكورت فالدهايم

GMT 03:37 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 02:51 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أردوغان» ومسرحية العصيان «أردوغان» ومسرحية العصيان



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام
 العرب اليوم - تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab