اعترافات ومراجعات 99

اعترافات ومراجعات (99)

اعترافات ومراجعات (99)

 العرب اليوم -

اعترافات ومراجعات 99

بقلم:مصطفى الفقي

 

لاحظت، وغيرى كثيرون، أن خصوبة الخيال تكون أحيانًا نقمة بقدر ماهى نعمة، فالخيال الواسع يفتح آفاقًا لتوقعاتٍ قد لا تحدث واحتمالاتٍ لا تتحقق ويظل صاحبه يعانى وكأنه يعيش مشكلته عدة مرات، بل ويتنفس العقد التى تسيطر عليه والهواجس التى تحيط به، لذلك فإن واقعية التفكير تبدو هنا أفضل تأثيرًا وأكثر رحمة، فالطفل الصغير لديه شجاعة الجاهل فقد يضع أصابعه بين أسلاك الكهرباء أو يمد يده على مشروب شديد السخونة وهو لا يقدر النتائج، وعندما يمر بالتجربة الأولى تبدو الأمور بالنسبة له كاشفة لتجربة منشئة عاش عليها وتمرس بها منذ بداية حياته

لذلك فإن الخوف والترقب والقلق هى كلها من نتاج الخيال الذى يصور لصاحبه السيناريو الأسوأ ويتوقع له أصعب الظروف، ومن أسف أننا فى هذه المنطقة من العالم نعانى من فقر الخيال وعدم القدرة على استكمال التصورات كما يريدها من يتطلعون إليها ويبحثون عنها، ففى عام ١٩٦٧ وقف الخيال المصرى عند احتمال الانتصار ولم يتطرق مسبقًا إلى عاصفة الهزيمة والانكسار، فكانت النتيجة هى تلك التى نعانى منها حتى اليوم على أرض الواقع وفوق خريطة المنطقة.

ولذلك يرى البعض أن المخاوف الكبيرة وتجسيم النتائج السلبية هى كلها نوع من الاحتياط الواجب الذى يعصم صاحبه من الأحلام الوردية على حساب الصدمات المفاجئة والخسائر الكبرى، ولقد لاحظت أن الأيديولوجيات المؤثرة فى التاريخ البشرى قد اعتمدت إلى حد كبير على الخيال، فالحركة الصهيونية التى تعانى المنطقة من نتائج سياساتها منذ ميلادها هى ابنة الخيال الذى تكون من رؤية تيودور هيرتزل ورفاقه فى مؤتمر بازل بسويسرا عام ١٨٩٧ والذى قال فيه نصًا إن وطنًا قوميًا لليهود فى فلسطين سوف يكتمل بناؤه بعد نصف قرن.

وهو ما حدث بالفعل، أى أن الخيال الواسع والرؤية البعيدة ليست خطئًا دائمًا ولكنها طموح يشد أصحابه نحو الغايات الكبرى والأهداف التى يلتقى حولها أصحابها عن إيمان راسخ وحماس شديد، بل إن دعوات الإسلام السياسى فى نسخها المتكررة وبرامجها المتعددة هى أيضًا ابنة للخيال البعيد، وقد اعتمد عليه أصحاب ذلك الخيال الذين يمتلكون الرؤية بغض النظر عن قبولنا نحن لها من عدمه، لذلك فإن صاحب الخيال الواسع يبدو قلقًا على أفكاره حريصًا على تحقيق ما دار فى خياله.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاكتشافات الكبرى والأفكار الملهمة تبدو فى مجملها نتاجا طبيعيا لشطحات خيال أو تأملات تبدو فى وقتها وكأنها قفزات نحو المستقبل أو هروب إليه، ولكن مسار الأحداث يثبت بعد ذلك سلامة التوجه والقدرة الإيجابية على الاختيار.. إننى أريد أن أسجل من هذه السطور حقيقة مؤداها أن البشر فى النهاية هم صناعة خيال ونتاج رؤية ولا يمكن أن نتصور أن الإنسان صنيعة الواقع وحده، ذلك أن خصوبة الخيال وثراء الرؤية هى مفاتيح المستقبل وأضواء الطريق إلى غدٍ مشرق مهما تعقدت الظروف أو تبدلت الأحوال.

arabstoday

GMT 00:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

صدمة خامسة!

GMT 00:04 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

شكرا للسيدة الهولندية!

GMT 00:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

بعد 50 عامًا

GMT 00:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الاختيار

GMT 11:27 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دوشة الطرابيش

GMT 11:26 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تريليونات ترمب وفلسطين

GMT 11:24 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

ذكريات الحرب وبطولات الأحياء!

GMT 11:22 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

شبكة الأردن... واصطياد السمك الإخواني

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 99 اعترافات ومراجعات 99



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:00 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

منصة إكس تطلق منصة مراسلة جديدة تسمى XChat
 العرب اليوم - منصة إكس تطلق منصة مراسلة جديدة تسمى XChat

GMT 09:17 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

قصة سوسن... ومآسي حرب السودان

GMT 15:06 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

الأمطار تسبب اضطرابات في شمال إيطاليا

GMT 15:05 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

ثلوج وأمطار كثيفة تضرب جنوب غرب سويسرا

GMT 15:04 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب إندونيسيا

GMT 07:39 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

وفاة الفنان المصري سليمان عيد

GMT 17:14 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

منذر رياحنة يتحدث عن علاقته بمصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab