جريمة جديدة و«سيناريو» قديم

جريمة جديدة و«سيناريو» قديم

جريمة جديدة و«سيناريو» قديم

 العرب اليوم -

جريمة جديدة و«سيناريو» قديم

مصطفى الفقي

عندما التحقت بوزارة الخارجية عام 1966، جرى توزيعى على قسم «بريطانيا» فى إدارة غرب أوروبا، وكان يترأسه دبلوماسى شاب هو الراحل «السكرتير الثانى»- فى ذلك الوقت- «محمد أحمد الخازندار»، وكنت أستمع منه دائمًا إلى ذكرياته حين كان غلامًا صغيرًا، عندما سقط والده المستشار «أحمد الخازندار» صريع رصاصات غادرة وهو يخرج من منزله ذات صباح فى ضاحية «حلوان» عقابًا له على نزاهته القضائية وشجاعته فى الحق واحترامه لرسالته فى خدمة العدالة، وكان معنا فى الوزارة فى ذات الوقت ابن آخر للمستشار الراحل هو «السكرتير الثالث» حينذاك «حسين الخازندار»- أمد الله فى عمره- وكنا نحن- شباب الدبلوماسيين- نتحدث فى ذلك الوقت من «العصر الناصرى» عن جريمة «الإخوان» باغتيال المستشار «الخازندار» ضمن سلسلة من الاغتيالات طالت رجال السياسة، حتى وصلت إلى رئيس الوزراء «النقراشى باشا»، وامتدت لتضرب فى كل اتجاه، عندما قررت الجماعة أن تخرج عن مسارها الدعوىّ وتتجه إلى ممارسة العنف والأخذ بالأساليب الدموية خلافًا لروح «الإسلام» الحنيف وتعاليمه الراقية، لقد تذكرت ذلك كله عندما بلغنى نبأ الجريمة النكراء التى أطاحت برجل القضاء الشهيد المستشار «هشام بركات» وهو خارج من منزله صباحًا فى ضاحية «مصر الجديدة» بنفس «السيناريو» تقريبًا، مع تطور «تكنولوجيا» الاغتيال بحكم الفارق الزمنى بين ما جرى فى حلوان صباح 22 مارس 1948 وما جرى فى «مصر الجديدة» صباح 29 يونيو عام 2015، وأدركت جيدًا أن الذين سلكوا طريق العنف فى أربعينيات القرن الماضى قد لجأوا إلى «الإرهاب» أسلوبًا فى العام الخامس عشر من القرن الحادى والعشرين، لقد بدأت أستعيد من جانبى ذكريات معرفتى بالنائب العام الراحل «هشام بركات»، وتذكرت يوم أن اتصلت به عقب المحاولة الفاشلة لاغتياله أمام مكتبه بدار القضاء العالى وقلت له: «لماذا لا تمارس عملك من المقر الجديد فى (التجمع الخامس)، حيث المكان أقل ازدحامًا والأمن أكثر إحكامًا؟» فقال لى نصًا: «لن أغير شيئًا فى حياتى، لأن العمر وديعة إلهية يستردها المولى حين يشاء، ولن أنحرف عن الخط المستقيم الذى رسمته لنفسى مهما كانت الظروف»، ولقد كتبت بعد ذلك فى مقال لى معبرًا عن إعجابى برده البليغ الذى صار حكمة راسخة فى قلوب عارفيه عندما هاتفة الرئيس «عبدالفتاح السيسي» ذات يوم، فقال له المستشار الراحل ضمن حديثه معه: «عندما ألقى وجه ربى لن يكون معنا أحد وأنا أعمل بوحى تلك اللحظة التى نترقبها جميعًا»، ويومها اتصل بى المستشار «هشام بركات» وقال لى: «لقد أسعده ما كتبت بقدر ما أخجله ذلك، لأنه لا يبتغى إلا وجه الله ومصلحة الوطن»، وقد زرته يومًا فى مكتبه ورأيته يضع قواعد جديدة للعمل باستحداث حقيبة صغيرة لكل رئيس نيابة عند مرافعته فى قضية مهمة، وتضم الحقيبة ملفات موثقة لكل ما يحتاجه مسؤول النيابة من حقائق عند مرافعته، وذلك تنظيمًا للعمل وسعيًا نحو الدقة فى خدمة العدالة، ومضيًا على نهج أسلافه، وآخرهم المستشار «د.عبدالمجيد محمود»، وكان الرجل يحلم بمدينة قضائية تضم مجمعات المحاكم فى كل محافظة، وقد بدأ بالفعل فى تطبيق ذلك فى محافظة «الإسماعيلية» قبل رحيله، لذلك فإننى أظن أن استشهاد «هشام بركات» خسارة فادحة للقضاء وللوطن، بل لـ«الإسلام» الحقيقى أيضًا، فقد كان الرجل مؤمنًا صادقًا وقد احترق «المصحف الشريف» فى سيارته عندما دمرها التفجير الغادر، وأنا أريد أن أطرح ملاحظات ثلاثاً فى هذه المناسبة:

أولًا: علينا أن نتوقع مزيدًا من هذه النوعية من الجرائم، لأن الشعب المصرى قد اختار بإرادته طريق الاستقلال الوطنى، والتمسك بالهوية التى تقوم على الوسطية والاعتدال مهما كانت الظروف والتحديات، كما أن الشعب المصرى- بـ«مسلميه» و«مسيحييه»- يدرك أن الله قد «دعا إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة»، وأن الديانات والحضارات والشعوب لا تقبل العنف أداة، ولا «الإرهاب» طريقًا، ولا تخيفها التفجيرات، ولا تقهرها الاغتيالات.

ثانيًا: يجب أن نتعلم الدرس من استشهاد المستشار «هشام بركات» صائمًا فى شهر «رمضان»، إذ لابد من التدقيق فى الإجراءات الأمنية لكبار المسؤولين والمستهدفين من رموز السياسة والحكم، سواء كانوا فى «القوات المسلحة» أو «الشرطة» أو «القضاء» أو «الإعلام» أو غيرهم، خصوصًا عند الخروج من بيوتهم المرصودة لدى القوى الآثمة التى لا تريد خيرًا للبلاد أو العباد، إذ إن من يتربص بشخصية معينة يكون على يقين بأنه سيخرج من منزله صباحًا فى موعد شبه ثابت، ومن عنوان إقامته المعروف الذى يخضع لمراقبة العناصر الإرهابية، لذلك لابد من تشديد الإجراءات الأمنية، لأن توقع الخروج فى الصباح أمر مؤكد، فينبغى علينا أن نعى الدرس وألا نكرر أخطاءنا، إذ «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين».

ثالثًا: يجب أن نربط ربطًا مباشرًا بين «الإرهاب» فى الداخل و«الإرهاب» فى الخارج، فالمنطقة التى نعيش فيها تتعرض حاليًا لموجات إرهابية غير مسبوقة من تنظيمات لم تكن معروفة. إن هناك من يسعى لتقويض كيان الدول وتمزيقها، بل إن كل التوقعات تشير إلى موجات عاتية من «الإرهاب» لم تقتصر على منطقتنا وحدها بل تسعى لاجتياح العالم بضرباتٍ موجعة فى «أوروبا» وعلى الشاطئ الآخر من «الأطلنطى» فى «الولايات المتحدة الأمريكية» مع تركيز خاص على «المشرق العربى» و«الشمال الأفريقى» و«جنوب الجزيرة» ومنطقة الخليج، وإذا تأملنا الموقف برمته فإننا نكتشف أن وراءه فكرًا واحدًا يخطط ليدمر ويرسم «سيناريوهات» المستقبل فى خبث ودهاء، مستخدمًا كل الوسائل للوصول إلى غاياته الآثمة، والأمر يقتضى منا تكثيف الوعى السياسى والأمنى إلى جانب تماسك «الجبهة الداخلية»، وإدراك الجميع أننا مستهدفون، لأن «مصر» هى «الجائزة الكبرى» لكل الطامعين فى السيطرة على «الكنانة»، لأنها وطن الأوطان، و«مصر الأمصار»، ودرة «العروبة» و«الإسلام» و«أفريقيا» و«الشرق الأوسط» و«جنوب البحر المتوسط».

ولنتذكر دائمًا أن «الإرهاب» لم يُقم نظامًا يستمر ولا أسقط دولة قائمة، إنه يعكر الصفو ويستنزف الجهد، وقد علمنا التاريخ أنه دائمًا إلى زوال.

بقى أن أقول إننى شهدت المستشار الراحل وهو يعطى توجيهات لمساعديه بالتوسع فى كشوف من يستحقون إطلاق سراحهم من الشباب المحتجزين على ذمة قانون التظاهر أو غيره، خصوصًا الطلاب منهم، حرصًا على مستقبلهم، وكان الرجل يفعل ذلك بحماس شديد ورغبة صادقة، لأنه كان مواطنًا مصريًا وأبًا حانيًا قبل أن يكون نائبًا عامًا أو رجل قضاء رفيع الشأن.. رحمه الله وأنزله فى مقعد صدق عند مليك مقتدر.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جريمة جديدة و«سيناريو» قديم جريمة جديدة و«سيناريو» قديم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab