القمة الأميركية-اليابانية في واشنطن رفعت من مستوى العلاقة بين الولايات المتحدة واليابان إلى أعلى مستوى وصلت إليه حتى اليوم باعتراف الطرفين. فلقد أصبحت اليابان «شريككم العالمي. لم تكن علاقتنا يوماً أوثق، ولم تكن رؤيتنا وتوجهنا أكثر وحدة»، كما أخبر رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، الكونغرس الأميركي خلال خطابه أمامه. هذه الشراكة إبان «نقطة التحول الدولية» الجارية حالياً، كما قال رئيس الوزراء، جرى تأكيدها في البيان المشترك الأميركي-الياباني تحت عنوان «شركاء عالميون للمستقبل». يبدو من خلال الوثيقة، وعلى لسان رئيس الوزراء الياباني، أن البلدين دخلا «علاقة لا حدود لها»، لما يمكن أن يفعله البلدان والشعبان معاً كما قال كيشيدا، مما يذكّر بالعلاقة التي «لا حدود لها» التي أعلنتها روسيا والصين خلال قممهما السابقة.
هذه الشراكة، كما ردّد الطرفان أكثر من مرة هذا الأسبوع وفي جميع تصريحاتهما وخطبهما، هي بهدف «الحفاظ وتدعيم النظام العالمي الحر والمفتوح القائم على حكم القانون»، الذي وفق الرئيسين يضمن السلام والاستقرار والازدهار في منطقة المحيط الهادئ-الهندي والعالم.
كيشيدا أكد أن البلدين سوف يحميان النظام العالمي القائم على سيادة القانون، مشدداً على أن «الآن هو الوقت لكي يبرهن» البلدان «قيمتهما الحقيقية بوصفهما شريكَين دوليَّين».
الرئيس الأميركي جو بايدن أكد أن هذا التحالف مع اليابان «طبيعته دفاعية، وليس موجهاً ضد دولة معينة أو يُشكّل تهديداً للمنطقة، ولا علاقة له بنزاع». ولكن الرئيس بايدن كرر، حسب البيان المشترك، التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان حسب البند الخامس من اتفاقية التعاون المشترك، وهذا ينطبق على جزر سينكاكو المتنازع عليها بين اليابان والصين، التي تعارض الولايات المتحدة أي محاولة صينية من جانب واحد لتغيير وضعها بالقوة والإكراه في بحر شرق الصين. وانتقد التصعيد في تصرف الصين في بحر الصين الجنوبي.
ورئيس الوزراء الياباني كان واضحاً أمام الكونغرس من أين يرى التهديد، حين قال: «إن مواقف الصين الخارجية وأعمالها العسكرية تُشكّل أكبر تحدٍ استراتيجي غير مسبوق، ليس فقط لأمن وسلام اليابان، وإنما لسلام واستقرار المجموعة الدولية». ولتوضيح القلق الياباني من التهديد الصيني نبه كيشيدا إلى أن «أوكرانيا اليوم ربما تكون شرق آسيا غداً».
من هنا يمكن فهم أسباب رفع مستوى العلاقة إلى درجة غير مسبوقة في مجالات الدفاع، ورفع مستوى التحالف العسكري بما فيها رفع القيادة العسكرية-الأميركية في اليابان، وترقية إطارات القيادة والتنسيق بين قوات الطرفين، وفي مجالات الأمن والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والفضاء.
وفي هذا الإطار يمكن فهم التحالفات الثنائية والثلاثية والمتعددة الأطراف التي يجري نسجها في منطقة المحيط الهادئ-الهندي، وتطوّق الصين، والتي تراها الصين تهديداً لها.
فقد أعلن بيان القمة الأميركية-اليابانية رؤيتهما للتعاون في بناء شبكة دفاع جوي بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا «لمواجهة التهديد الجوي والصاروخي». كما أعلن أن أعضاء تحالف «أوكس (AUKUS)»؛ (أستراليا، وبريطانيا، والولايات المتحدة)، يفكرون بالتعاون مع اليابان حول مشروعات القدرات المتقدمة التي يعمل عليها التحالف، إضافة إلى المناورات المشتركة بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا. ورحّب البيان بإقامة مناورات مشتركة بين الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا عام 2025. كما رحّب بزيادة اليابان ميزانيتها الدفاعية لتصل إلى 2 في المائة من المنتوج المحلي العام.
وكانت الولايات المتحدة قد نجحت السنة الماضية في جمع اليابان وكوريا الجنوبية في قمة تاريخية في كامب ديفيد أنتجت تحالفاً بين الدول الثلاث التي ترى نمو الصين تهديداً لها وللأمن في المنطقة. وعُدّت هذه القمة نجاحاً باهراً للرئيس بايدن الذي جعل مواجهة الصين ونفوذها هدفاً مركزياً في الاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيط الهادئ-الهندي.
وتشترك الولايات المتحدة واليابان في تحالف آخر في المنطقة هو «كواد (QUAD)» (الحوار الأمني الرباعي)، الذي يجمع الولايات المتحدة، واليابان، والهند، وأستراليا. ورغم اختلاف رؤية جميع أعضاء هذا التحالف حول طبيعته، فإنهم يشتركون في قلقهم حول ازدياد نفوذ الصين في المنطقة.
وهذا الأسبوع وبموازاة القمة الثنائية بين البلدين، تم عقد قمة ثلاثية بين الولايات المتحدة واليابان والفلبين، التي تواجه أزمة مع الصين حول الحقوق البحرية، التي أدت مؤخراً إلى ازدياد التوتر والاحتكاكات بين الطرفين، وما يصفه الفلبيون بـ«العدوانية الصينية المتزايدة». ولدى الفلبين اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة منذ نحو 70 سنة، والسنة الماضية أعلن الرئيسان الأميركي بايدن، والفلبيني بونغ بونغ ماركوس، اتفاقاً جديداً يعطي البحرية الأميركية مزيداً من القواعد العسكرية في الجزر، بينما التوتر حولها يزداد حسب الصحف الأميركية. وأصبحت العلاقة الأميركية-الفلبينية أكثر قرباً منذ مجيء الرئيس ماركوس إلى الحكم بعكس سلفه الذي قال إنه سيلتزم الحياد في الخلاف بين واشنطن وبكين.
وأكد بايدن خلال القمة أن «التزامات الدفاع الأميركية نحو اليابان والفلبين راسخة»، وأضاف: «إن أي هجوم على الطائرات الفلبينية، أو السفن أو القوات المسلحة في بحر الصين الجنوبي سيستحضر اتفاقية الدفاع المشترك».
ورغم القول إن هذه التحالفات والاجتماعات غير موجهة ضد أحد، فإن الجميع هنا يرى أنها موجهة ضد الصين، ويحذّرون من أنها يمكن أن تؤدي إلى ازدياد التوتر مع الصين رغم محاولات واشنطن للإبقاء على التنافس مع الصين في إطار تُمكن إدارته بشكل لا يؤدي إلى نزاع بين القوتين الكبريين في المنطقة. وتدعو بعض الصحف إلى عدم الإخلال بالتوازن في إدارة التوتر لكي لا يخرج عن السيطرة. ودعا مايك ميشوزوكي من «معهد كوينسي» في مقابلة مع موقع «ريسبونسيبل ستيت كرافت» الولايات المتحدة إلى الانتباه وعدم إعطاء الانطباع بأنها تغير سياسة «الغموض الاستراتيجي» القائمة، التي توازن التوتر بين الصين وتايوان. وحذّر آخرون من أن خطوط التوتر في الخلافات في هذه المنطقة مخيفة، ولها انعكاسات ليس على المنطقة فقط وصراع القوتين العظميين، وإنما على العالم أجمع.
وأزعجت القمة بكين، وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية، ما نينغ، إن الولايات المتحدة واليابان هاجمتا الصين حول موضوع تايوان والمسائل البحرية و«تدخلتا بشكل سافر في الشؤون الداخلية الصينية، وخرقتا بشكل جدي القواعد الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية».
صحيح أن هذه القمة رفعت العلاقة الأميركية-اليابانية إلى مستوى غير مسبوق، لكن وكما قالت إحدى الصحف هنا، من السابق لأوانه الاحتفال بنتائجها لأسباب داخلية في البلدين. فصحيفة «أساهي شيمبون» اليابانية انتقدت تعميق العلاقة في القيادة العسكرية قائلة، إن هناك «خطراً أن تصبح قيادة الدفاع اليابانية تحت القيادة الأميركية في حالة طوارئ، وكيفية ضمان سلطة استقلالية القيادة» اليابانية.
وأيضاً وهذا الأهم، أن كلاً من الرئيس بايدن والرئيس كيشيدا يواجهان انتخابات رئاسية في أميركا، وبرلمانية في اليابان هذه السنة، وربما لن يعودا إلى الحكم... فماذا سيكون تأثير ذلك في هذه الشراكة؟ فهل سيتبع الرئيس ترمب إذا فاز السياسةَ نفسها تجاه اليابان والصين؟ وهل سيسير أي رئيس وزراء ياباني مستقبلي على خطى كيشيدا وشراكته العالمية مع الولايات المتحدة سواء تجاه الصين أم أوكرانيا أم الشرق الأوسط؟
سياسي ياباني محافظ حذّر في الصحيفة اليابانية من أن يحوّل كيشيدا اليابان إلى «آلة صرف» مالي غير محدود. هذا شبيه بما يقوله ترمب وحلفاؤه في الكونغرس عن أوكرانيا. إن الأحلاف تردع، ولكن لا شيء يحل مكان الحل السلمي للنزاعات.